((١) يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ..) الآية : من أعظم آيات الرجاء ؛ لسؤال الملائكة لهم بالرحمة والجنّة.
فإن قلت : حملة العرش والملائكة كلهم مؤمنون به سبحانه ، فما فائدة الإخبار بقوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ)؟
والجواب : إظهارا لفضيلة الإيمان وشرفه ، والترغيب فيه ، كما وصف الأنبياء فى غير ما موضع من كتابه بالصلاح ؛ كقوله : ((٢) وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ). ومعلوم أن الأنبياء من أهل الإيمان والصلاح ، وكما أعقب أعمال الخير بقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، فأبان بذلك فضل الإيمان. وقد ذكر (٣) الزمخشرى أن فيه فائدة أخرى ؛ وهى أنّ معرفة حملة العرش بالله تعالى من طريق النظر والاستدلال كسائر الخلق لا بالرؤية ، وهذه نزعة منه إلى مذهب المعتزلة فى استحالة رؤية الله تعالى.
وتأمّل يا محمدىّ إلى عظيم التناسب المرعىّ بين قوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) تجد فيه تنبيها على أنّ الاشتراك فى الإيمان يجب أن يكون ادعى شىء إلى النصيحة ، وأبعثه على إمحاض الشفقة ، وإن تفاوتت الأجناس ، وتباعدت الأماكن ؛ فإنه لا تجانس بين ملك وإنسان ، ولا بين سماوىّ وأرضيّ قطّ ، ولما جمع الإيمان جاء معه التجانس الحقيقى ، والتناسب الكلّى ، حتى استغفر من حول العرش لمن فى الأرض مع عظم أجرامهم وقوّتهم ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : أذن لى أن أحدّث عن ملك من حملة العرش بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة.
__________________
(١) غافر : ٧
(٢) آل عمران : ٣٩
(٣) الكشاف : ٢ ـ ٣٠٩