على قولهم (١) : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) ؛ لأنّ بسط الرزق وقبضه فى الدنيا متعلق بمشيئة الله ، فقد يوسّع الله على الكافر والعاصى ، ويضيّق على المؤمن والمطيع ، وبالعكس.
وقد حكى أن مدينة ببلاد السودان إذا ملكها المسلمون صار أرضها ترابا ، وإذا ملكها الكفار صار أرضها تبرا ، فأسلمها المسلمون للكفار على إعطاء الجزية ، وهذا ليس بعجب ؛ إذ لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر جرعة ماء. والمقصود منها التقوّت لما يوصل إلى الآخرة.
وحكى وهب بن منبه أنّ ملكين التقيا فى السماء الرابعة يهبطان إلى الأرض ، فقال أحدهما للآخر : إن الله أمرنى أن أوصل الحوت الفلانىّ لليهوديّ الفلانىّ لأنه اشتهاه. فقال الآخر : وإن العابد الفلانى يصوم وأراد إفطاره على الخبز والزيتون ، وأمرنى أن أهبطه له. فانظر هذا ؛ فإنّ تيسير الشهوات ليس من أسباب السعادة ، وإن الله ليذود وليّه عن الدنيا ويحميه عنها لئلا يشتغل بها ، ((٢) وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ...) الآية.
ونحن قد بسط [٣٩٦ م] لنا فيها ، وتمتّعنا بها ، فانظر عاقبتنا بم تكون! فإن قلت : ما فائدة تكرار هذه الآية ، وإبراز (مِنْ عِبادِهِ) فى الثانية من سورة سبأ (٣)؟
والجواب : أنّ الله كرّرها لاختلاف المقاصد ، والردّ على الكفّار فى أقوالهم ، وترغيب المؤمنين فى الإعراض عنها والرجوع إلى من بيده مقاليدها.
__________________
(١) سبأ : ٣٥
(٢) الزخرف : ٣٣
(٣) سبأ : ٣٩