بقوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (١) ؛ أى يصرفون عن توحيده ومعرفته. ووجه تعقيب هذه الآية بالإفك ، والثانية (٢) بعدها بعدم العقل ، وآية لقمان (٣) بكثرة الجهل وقلة العلم ؛ لأن المراد منها الاستدلال بهذا الخلق العظيم وما هو عليه من جليل التناسب ، وإتقان الصنعة وإحكامها من غير تفاوت ولا فطور.
(وَالَّذِينَ (٤) جاهَدُوا فِينا) : يعنى جهاد الأنفس فى الصبر على إذاية الكفار ، واحتمال الخروج عن الأوطان ، وغير ذلك. وقيل : يعنى القتال ؛ وذلك ضعيف ؛ لأن القتال لم يكن مأمورا به حين نزول الآية.
(وَإِنَ (٥) اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ؛ أى بنصره ومعونته ، وانظر كيف أكّده بأن واللام ليعلمك أنه سبحانه لا يسلمه لمن أراده بسوء ، وكيف لا وقد أكرمه الله بالمحبة بقوله : إن الله يحب المحسنين ، والأمن : (ما (٦) عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) وهو محسن. والرحمة : (إِنَ (٧) رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
فإن قلت : ما معنى الإحسان؟
فالجواب إنّ هذا المقام لم يحصل إلا لأرباب العقول. وفى الحديث : إن كتب الإحسان على كل شىء ، والإحسان ثالث المقامات. وقد فسره صلىاللهعليهوسلم بقوله : أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فيا ليت شعرى ، هل بقى منهم فى هذا الرّبع أنيس به أو ملجأ يسند إليه! ما أرى النفوس إلا قد ماتت بحبّ الدنيا ؛ ويا ليتنا نلناها ؛ والقلب مات من حبّ
__________________
(١) العنكبوت : ٦١
(٢) العنكبوت : ٦٣
(٣) لقمان : ١٥
(٤) العنكبوت : ٦٣
(٥) العنكبوت : ٦٩
(٦) التوبة : ٩١
(٧) الأعراف : ٥٦