خرجت إلى الدنيا ، وعلى الفقراء بعيسى ؛ كان له إناء يشرب فيه ، ومشط يمتشط به ، فألقاهما وصار يتخلّل بأصابعه ، ويشرب فى يديه ؛ فقال له قومه : ألا تتّخذ لك حمارا تركب عليه إذا أعياك المشى؟ فقال : أنا أكرم على الله من أن يجعلنى خادم حمار.
(وَتَفَقَّدَ (١) الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ـ بضم الهاءين وإسكان الدال بينهما : طائر معروف ذو خطوط وألوان. قال الجاحظ : وهو وفّاء حفوظ ؛ وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب طعم ، ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه ، فإن حدث حدث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبدا ، ولم يزل صائحا عليه ما عاش ، ولم يشبع بعدها من طعم ؛ بل ينال منه ما يمسك رمقه إلى أن يشرف على الموت ، فعند ذلك ينال منه يسيرا.
فإن قلت : قد طلب سليمان الشّكر من الله تعالى على هذا الملك ، وإنه لم يكن فى باله ولا له به تعلّق ، فما باله تفقّد الهدهد حين كان يظلّله وتوعّده بالعذاب الشديد أو بالذبح ؛ وهذا الفعل يقتضى العناية بالمملكة والتهمم بكل جزء منها؟
والجواب ما فى الكامل وشعب الإيمان للبيهقى : إن نافعا سأل ابن عباس ، فقال : سليمان عليهالسلام ، مع ما خوّله الله من الملك وأعطاه ، كيف عنى بالهدهد مع صغره؟ فقال له ابن عباس : إنه احتاج إلى الماء ، والهدهد كانت له الأرض كالزجاج. فقال ابن الأزرق لابن نافع : قف يا وقاف ؛ كيف يبصر الماء من تحت الأرض ، ولا يرى الفخ إذا غطّى له بقدر إصبع من تراب؟
__________________
(١) النمل : ٢٠