والجواب أنه على معنى التأكيد لذلك ، وإشارة إلى تسوية الأمر الضرورى بالمشكوك فيه ، لأنّ استحالة تقدمهم عن أجلهم إذا حضر أمر ضرورى ، وتأخرهم عنه مشكوك فيه ؛ ألا ترى من حلّ عليه دين مؤجل يمكن أن يؤخّره ربّه عنه ، ولا يمكن أن يقدمه هو عن أجله بعد حلوله بوجه ، فكأنه يقول : كما يستحيل تقدّمهم عن أجلهم إذا حلّ كذلك يستحيل تأخّرهم عنه ، لأن ما علمه الله وقدّره لا بدّ من وقوعه.
(وَقالَ (١) رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ) : هذا من قول سليمان لمّا أنعم الله تعالى عليه بالملك ، وعلم أنه رخاء لا ينفعه عند الله إلا بإلهامه الشكر.
وحقيقة (أَوْزِعْنِي) اجعلنى أزع شكر نعمتك عندى وأكفّه واربطه ، لا ينفلت عنى ، حتى لا أنفكّ شاكرا لك. وأدخل والديه فى الدعاء ، لأن النعمة عليهما للولد منها نصيب بالوراثة ، فيجب شكر الوالد على ذلك ؛ لأن موجب الشكر مشترك بين الولد [٢٩١ ب] والوالدين ، ومن رؤية النعمة عند سليمان أنه أمر أن يعمل حول كرسيّه ألف محراب فيها ألف رجل عليهم المسوح يصرخون بالشكر دائما ويقول لجنده إذا ركب : سبّحوا الله إلى ذلك العلم ، فإذا بلغوه قال : هلّلوا إلى ذلك العلم ، فإذا بلغوه قال : كبروا إلى ذلك العلم الآخر ، فلج الجنود بالتسبيح والتهليل والتكبير لجة واحدة ، شكرا لما أعطاه الله ، فاستعملوه من أجله. وقد صح أنّ الله يحتجّ على الأغنياء يوم القيامة بسليمان ؛ لأنه لم يشغله ما أعطاه الله عن القيام بحقه ، وعلى العبيد بيوسف ، وعلى المرضى بأيوب ، لما هلك جميع ما ملك دخل بيته وألقى ثيابه ، وقال : هكذا
__________________
(١) النمل : ١٩