فإن قلت : ما فائدة الإتيان بمن ، وقد كان يستغنى عنها؟
فالجواب أن فائدة الإتيان بها نفى توهّم مجاز التشبيه ، نحو زيد أسد ، وكقوله عليهالسلام فى صحيح مسلم : إنّ أحدكم لا يزال راكبا ما انتعل. ففرق بين خاتم فضة ومن فضة ؛ فإن الأول يحتمل أنه تشبيه محذوف الأداة ، والثانى نصّ لا يتطرق إليه احتمال البتة.
وقد يقال : إن الإتيان بها هو الأصل ؛ لأن الإضافة فى مثله على معنى من ، نحو ثوب خزّ ؛ وإنما يستغنى [٢٥٩ ب] بذكرها مع الإضافة ، ولما تعذرت الإضافة هنا بإضافة السرابيل إلى ضمير المحدّث عنهم تعيّن الإتيان بها رجوعا للأصل ، لتدلّ على التبعيض المقصود من هذا التركيب. وفائدة قصده هنا الإعلام بأن هناك قطرانا غير ما جعل من السرابيل ، ليصبّ عليه ، فيزداد اشتعال النار عليهم بذلك ، أو تجدد منه السرابيل إن ذهبت الأولى بذهاب الجلود التى طليت بما شبّه منه بالسرابيل : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ، أو يسقونه فتحترق أفئدتهم كلما أحرقت جلودهم نار الله الموقدة التى تطّلع على الأفئدة ، أو لغير ذلك ، ولو لم تذكر «من» لما علم أنّ هناك منه غير ما جعلت السرابيل إلا بدليل آخر.
ونظير ما ذكرناه من فائدة قصد التبعيض هنا قوله صلىاللهعليهوسلم فى حكاية عن قول إبراهيم : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ)(١) ولا يتأتّى السربال حقيقة من القطران إلا بأن تبدّل صفته من المائعية إلى التجمد ، وحينئذ يكون إخبارا ، بخلاف المعهود منه. ويشبه على هذا الجعل أن يكون تنكيره للنوعية ؛ أى نوع من القطران غير متعارف ؛ فظهر
__________________
(١) إبراهيم : ٣٧