السورتين فى التخويف والإنذار. وعلى ذلك بنيت سورة (النَّازِعاتِ) ؛ ألا ترى قوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) ووصف الطامة الكبرى ، وما أتبع به بعد. وابتداء السورة وختامها قبلها تخويف (١) وترهيب ، فناسبها أشدّ العبارتين موقعا ، وأرهبها. وأما سورة عبس فلم تبن على ذلك الغرض ، وإنما بنيت على قصة عبد الله بن أم مكتوم الأعمى. وذلك مشهور ، ثم ورد قوله : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) عقب التذكير بقوله ((٢) إِنَّها تَذْكِرَةٌ) والتذكير للاعتبار بقوله : ((٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ..) إلى قوله : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ). ثم أتبع بعد ذكر الصاخة بقوله (٤) : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ). فسورة النازعات على الجملة أشدّ فى التخويف والترهيب ، فناسبها أبلغ العبارتين من أسماء القيامة.
وقيل : إنما خصّت النازعات بالطامّة ؛ لأن الطمّ قبل الصخ ، وهو الصوت الشديد والفزع قبل الصوت ، فكانت هى السابقة. وخصّت سورة «عبس» بالصاخّة ؛ لأنها بعده وهى اللاحقة.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ)(٥) : أمر بالاعتبار فى (٦) الطعام ، كيف خلقه الله بقدرته ، ويسّره برحمته ، فوجب على العبد طاعته وشكره. وتقبح معصيته والكفر به. وقيل : فلينظر الإنسان إلى طعامه كيف يصير ، فيزهد فى دنيا هذه حالها ، ولا يرغب فى لذّاتها ، كما قال صلىاللهعليهوسلم للأعرابى : ما طعامك؟ قال : اللحم واللبن. قال : فإلى ما ذا يصير؟ ولهذا كان صلىاللهعليهوسلم لا يشبع من خبز الشعير زهدا فيها. قال يحيى بن سلام : بعد أن ذكر الله زواجر الكفّار استأنف ضرب المثل لأهل الإيمان ، ليزدادوا اعتبارا بقوله :
__________________
(١) آخر سورة النبأ قبلها : إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا.
(٢) عبس : ١١
(٣) عبس : ٢٤
(٤) عبس : ٣٨ : ٢٩
(٥) عبس : ٢٤
(٦) هذا فى الأصلين.