فهنيئا لك يا محمدىّ بما منحك الله من هذه التحية التى حيّا بها أنبياءه وأصفياءه فى قوله لنوح (١) : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا). ولإبراهيم (٢) : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ). حياك فى الدنيا بقوله (٣) : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى). وفى الآخرة يأتيك الملك بكتاب منه : أمّا بعد السلام عليك فزرنا ، لأنا اشتقناك ، لا راعى الله من لا يراعى الذمم.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(٤) : لما نزلت هذه الآية قال صلىاللهعليهوسلم : اجعلوها فى ركوعكم. فلما نزلت (٥) : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ـ قال : اجعلوها فى سجودكم. فلذلك استحبّ مالك وغيره فى السجود سبحان ربى الأعلى ، وفى الركوع سبحان ربى العظيم ، وأوجبها الظاهرية. ويحتمل أن يكون المعنى سبّح الله بذكر أسمائه ، والاسم هنا جنس الأسماء. والعظيم صفة للرب ، أو يكون الاسم هنا واحدا ، والعظيم صفة له ، وكأنه أمره أن يسبّح باسمه الأعظم ؛ ويؤيّد هذا ويشير إليه اتصال سورة الحديد بها ، وفى أولها التسبيح ، وجعله من صفات الله وأسمائه. وقد قال ابن عباس : اسم الله الأعظم موجود فى ست آيات من أول سورة الحديد. وروى أنّ الدعاء بعد قراءتها مستجاب.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)(٦) : نزلت فى عثمان ابن عفان رضى الله عنه ؛ فإنه جهّز جيش العشرة يومئذ. ولفظ الآية مع ذلك عامّ ، وحكمها باق لكل من أنفق فى سبيل الله وطاعته ، ويدخل فيه النفقة على العيال بنيّة تعفّفهم وإعانتهم ؛ بل هى من أعظم النفقات للحديث : درهم ينفقه أحدكم على أهله خير من ألف ينفقها فى سبيل الله.
__________________
(١) هود : ٤٨
(٢) الأنبياء : ٦٩
(٣) النمل : ٥٩
(٤) الواقعة : ٩٦
(٥) الأعلى : ١
(٦) الحديد : ٧