ثم شهد له بأنه على صراط مستقيم ، وكيف لا يكون على الصراط المستقيم وقد كان يقمّ (١) البيت ، ويحلب الشاة ، ويعلف الناضح (٢) ، ويرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، وينام على الحصير ، ولا ينام على الوثير ، ويسلّم مبتدرا (٣) على من لقى من صغير أو كبير ، ويأخذ بيد الخادم ويطحن معها إذا عيّت ، حتى قال الحق فيه : وإنك لعلى خلق عظيم ، وأنزل عليه الكتاب الحكيم ، وشرح صدره ، ويسّر أمره ، وأعلى فى العالمين ذكره ، وأمر بالاستمساك بما أوحى إليه ، ليقتدى به من بعده ؛ فهو أحمد ، وأمّته الحامدون ، ومستغفر وأمّته التوّابون ؛ خصه الله وأمته بخصائص لم يعطها من تقدم فى الدنيا ولا فى الآخرة : فى الدنيا يطول ذكرها ، وفى الآخرة لا يقدر قدرها ، كالحوض ، والكوثر ، واللواء الذى عرضه ما بين المشرق والمغرب مكتوب عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ تقدمته آدم ونوح ، وخلفه إبراهيم وموسى ، وعن يمينه جبريل وميكائيل ، وعن يساره إسرافيل وعزرائيل ، وساقته أصحابه وأمته ، رافعا صوته : يا ربّ ، أمتى أمتى ، وقد وعدتنى الشفاعة فيهم ، وهم عبيدك ؛ فاغفر لهم ما جنوا ، ولا تؤاخذهم بما عصوا ؛ يا أكرم الخلق ، يا رسول الله ، عبدك المصنف قد وحل فى شرك المعاصى ، ولم يجد منقذا ينقذه منه غير جاهك العظيم ، فلا تخيّبه منه ، وخذ بيده ، ولا تعامله بما جفاك به ، حاشا لفضلك أن تخيب راجيا ؛ الخير أكبر ، والمواهب أوسع!
(فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٤)) : هذه الآية ردّ على الكفار ، واحتجاج عليهم ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنّ له ولدا ؛ ومعناها : لو كان للرحمن ولد كما يقول
__________________
(١) يقم البيت : يكنسه.
(٢) النواضح : الإبل التى يستقى عليها واحدها ناضح.
(٣) مبتدرا : مبتدئا.
(٤) الزخرف : ٨١