بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا) فكذلك (١) : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ) تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله.
فحقّ لمن سمع هذه الموعظة أن يبادر إلى الطاعة ، ولا يتأنّى. بلى ، والله ، وقعت منا المخالفة وقتلنا أنفسنا بالمعاصى بئس ما اخترنا! كم وعظنا المشيب ولا قبلنا ، علمنا أنّ الدنيا ثلاثة أنفاس : نفس مضى عملنا فيه ما عملنا ، ونفس لا ندرى أنملكه أم لا؟ فليس لنا إلا النفس الذى نحن فيه حرصنا على درهم لا ندرى لمن يبقى ، ومزقنا ثوب المعاصى ولم نكفه بتوبة ؛ فما أسرع الملتقى! أليس هذا من العمى ؛ إذا شغلنا بالجنة خسرنا فكيف يكون حالنا وقد شغلتنا المعاصى عن الإقبال عليه! بئس ما استنفدنا زمان الصبا فى المعاصى واللهو ، ولم ننته فى الكبر عن لهونا ؛ ولو تبنا لحقّ لنا البكاء ؛ فكيف وقد انهمكنا! إذا تاب الشيخ يقول الله عزوجل : الآن جئتنا حين ضعفت مفاصلك. الآن وقد ذهبت قوّتك. الآن وقد نفد عمرك. الآن وقد قسا بالمعاصى قلبك. الآن وقد ضاع فى البطالة وقتك. هذا لمن تاب ؛ فكيف حال من هو فى قفص الطبع محجوب عن العتاب ؛ نعقد عقدة التوبة بخيط العنكبوت ظاهرا وباطنا ، نتلذّذ بها ، فكيف لا نحلها؟ لو صدقت التوبة منا لوجدنا مرارتها ، كما وجدنا حلاوتها ؛ إلهى التوبة لا تدوم لى ، والمعصية لا تنصرف عنى ، ولا أدرى بم تختم لى ، غير أنّ عفوك ورجاءك أطمعنى أن أسألك ما لا أستوجبه منك ؛ فهب لى منك توبة باقية ، واصرف أزمة الشهوات عنى ، وحقّقنى بحقيقة الإيمان ، وأعنّى على نفسى والهوى والشيطان ، بحرمة سيدنا ونبينا ومولانا سيد الثّقلين صلى الله عليه وعلى آله ما اختلف الملوان.
__________________
(١) غافر : ٨٥