الأرض غير مدحوّة (١) ، ثم خلق السموات فسواهنّ فى يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسى وغيرها فى يومين ، فتلك أربعة أيام للأرض ، وهذا معنى قوله تعالى (٢) : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ، كلّ ذلك تعليما لعباده ، وإشارة لهم فى التأنّى فى الأمور ، لأنه كان سبحانه قادرا على قوله لها : كن ، فكانت.
فى الحديث أنه سئل صلىاللهعليهوسلم عن يوم الأحد ، فقال : يوم غرس وعمارة ، قالوا : كيف ذلك يا رسول الله؟ قال : لأن فيها ابتدأ الله خلق الدنيا وعمارتها.
فإن قلت : بم علق قوله : للسائلين (٣)؟
قلت : بمحذوف ، كأنه قال : هذا الحصر لأجل من سأل فى كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر فيها الأقوات لأجل الطالبين إليها من المقتاتين ، وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على طريقة الزجاج.
(فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ...)(٤) الآية : الضمير يعود على الأمم المذكورة الذين جاءتهم رسلهم بالبينات.
فإن قلت : أى علم عندهم حتى يفرحوا به؟
فالجواب أنهم [٢٣٨ ب] كانوا يفرحون بما عندهم من العلم فى ظنّهم ومعتقدهم من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون ، واغتروا بعلمهم فى الدنيا والمعاش ، وظنّوا أنه ينفعهم. وهذا لقول بعضهم (٥) : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ...) الآية.
__________________
(١) مدحوة : مبسوطة.
(٢) النازعات : ٣٠
(٣) فصلت (١٠) : وجعل فيها رواسى .. سواء للسائلين.
(٤) غافر : ٨٣
(٥) الكهف : ٣٦