فى وقت وفاته ، وطلب منه هو الخليفة بعده عليهم ، فأجاب الله دعاءه ، وأراه سؤاله فيهم : إسماعيل استسلم لقضاء ربّه ، ومن عادة الصبيان الجزع من الألم ، ومن طبع الحديد القطع ، فلما صبر وغيّر عادته لأجل الله غيّر طبع الحديد لأجله ، ولم يقطع ، كذلك حال المؤمن مع الله ، إذا صبر واستسلم للقضاء غيّر الله طبع العوائد عليه وأثابه الحسنى.
وقيل : إنه لما صرع للذّبح كشف الله له عن الجنة حتى يسهل عليه [٢٣٦ ب] اللقاء مع ربه ، وكذلك المؤمن فى حالة الموت يكشف الله له على ما أعدّ له من النعيم ، فيسهل عليه خروج روحه. قال صلىاللهعليهوسلم : لا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، " ولا يدخل أحد النار إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة".
قيل : لما أوتى إبراهيم بالكبش يداه مشدودتان إلى قرنه ، لأن إسماعيل قال له : اطلق لى رجلا واحدة لتعلم الملائكة أنى فعلت ذلك عن رضا منى وطيب نفسى ، وأنى لم أجزع ، فأوتى بالكبش كذلك.
وأنت يا محمدى لو وافقت ربك فيما أمرك به لرأيت العجائب من لطفه فى موافقة جميع المخلوقات لك ، لكنّك خالفت فاختلفت عليك الأمور ، ولذلك قال بعضهم : إنى لأعلم حالى مع ربى حتى فى غلامى ودابّتى.
ومرّ ابن المبارك بفرس يباع بأبخس ثمن ، فقال : ما بال هذا؟ فقيل له : به عيوب كثيرة ، من حرن (١) وركض ، وذعارة (٢) ، فاشتراه وقال فى أذنه :
__________________
(١) الفعل كنصر وكرم. والدابة الحرون : التى إذا اشتد جريها وقفت.
(٢) من الذعر ، وهو الخوف ، ومنه المذعورة : الناقة المجنونة.