يا محمدى إن رجعت إليه! أتراه لا يقبلك ، وقد عاتب أنبياءه فى عدم رحمتهم بالكفرة اللئام.
فإن قلت : قد عبّر فى آية الأنبياء (١) بالأخسرين ، فهل هما بمعنى واحد؟
والجواب أن الصفتين من السفالة غاية حال الكافرين ، ومن كان من الأسفلين فقد خسر خسرانا مبينا ، فلا تضادّ بين الصفتين ؛ لأن [٢٣٥ ب] السفول لاحق فى ذات المنسفل والخسران حقيقة فى خارج عنه ، فالسفول أبلغ ؛ فقدّم ما هو لاحق خارجىّ وأخّر ما لا يتعدى ذات المتصف به ، تكملة وتتمّة ؛ إذ هو أبلغ على ما يجب وعلى ما قدمنا من رعى الترتيب ، والتسفّل ضد الترقى.
وقيل : روعى فى الصفة مقابلة قولهم (٢) : (ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) ؛ لأنه يفهم منه إرادتهم علوّ أمرهم بفعلهم ذلك ، فقوبلوا بالضدّ ، فجعلوا الأسفلين ، وهو حسن.
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(٣) : الضمير يعود على المتبعين والأتباع ، واشتراكهم فى العذاب حكم عدل ، إذ كلّ منهم مستحق ، ألا ترى كيف وصفهم جميعا بأنهم مجرمون؟
فإن قلت : هل يفهم من اشتراكهم فى العذاب استواؤهم فيه؟
والجواب : لا استواء بينهم ؛ لأن الشركة فى الشيء قد تقتضى تساوى الشركاء فى ذلك المشترك فيه وقد لا تقتضى. والضالّ والمضلّ وإن اشتركا فى العذاب فللمضلّ ضعفان ، لأنه ضلّ وأضلّ.
فإن قلت : قد قال الذين كفروا : ((٤) إِنَّا كُلٌّ فِيها) ، أى فى النار؟.
__________________
(١) الأنبياء : ٧٠
(٢) الصافات : ٩٧
(٣) الصافات : ٣٣
(٤) غافر : ٤٨