وفى البرهان (١) : عسى ولعل من الله واجبتان. وإن كانتا رجاء وطمعا فى كلام المخلوقين ؛ لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون ، والبارى منزّه عن ذلك. والوجه فى استعمال هذه الألفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكّون ولا يقطعون على الكائن منها ، والله يعلم الكائن منها على الصحة صارت لها نسبتان : نسبة إلى الله تعالى تسمّى نسبة قطع ويقين ، ونسبة إلى المخلوق تسمى نسبة شكّ وظن ؛ فصارت هذه الألفاظ لذلك تارة ترد بلفظ القطع حسبما هى عليه عند الله نحو (٢) : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). وتارة بلفظ الشكّ بحسب ما هى عليه عند الخلق ، نحو (٣) : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ). ((٤) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). وقد علم الله حال إرسالهما ما يفضى إليه حال فرعون ، لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج فى نفس موسى وهارون من الطمع والرجاء ، ولما نزل القرآن بلغة العرب جاء على مذاهبهم فى ذلك ، والعرب قد تخرج الكلام المتيقّن فى صورة المشكوك الأغراض.
وقال ابن الدهان : عسى فعل ماضى اللفظ والمعنى ؛ لأنه طمع قد حصل فى شىء مستقبل. وقال قوم : ماضى اللفظ مستقبل المعنى ؛ لأنه إخبار [٢١٥ ب] عن طمع يريد أن يقع.
تنبيه
وردت فى القرآن عسى على وجهين :
أحدهما رافعة لاسم صريح بعده فعل مضارع مقرون بأن. والأشهر
__________________
(١) البرهان : ٤ ـ ٢٩٨ ، ٣٩٢
(٢) المائدة : ٥٤
(٣) المائدة : ٥٢
(٤) طه : ٤٤