وفى بعض الأوقات ، وكان جزّها مما يحتاج إليه فى بعض الأوقات ، لم يجعلها كسائر الأعضاء فى تألم الإنسان بقطعها.
فانظر إلى دقائق هذا الصنع الجليل ، وحسن المعانى من ربّ جميل لجميع الحيوان ؛ وخص هذا الآدمى بخصائص وحكم يعجز ذكرها. وقد أشرنا إلى بعضها ؛ وقد ذكر أهل علم التشريح تفصيلها.
وبالجملة فهذا الآدمىّ هو العالم الأكبر ، وجميع المخلوقات هو العالم الأصغر. وكيف لا وقد جمع الله فيه ما تفرق فى كلّ الأشياء ؛ فإن كان للسماء علوّ فللآدمىّ القامة. وإن كان فى الفلك شمس وقمر فللآدمى العينان. وإن كان له نجوم فللآدمى الأسنان. وإن كان للفلك الدوران فللآدمى السير. وإن كان للسماء القطر فلعين الآدمى الدمعة. وإن كان للبرق لمعة فللآدمى اللمحة. وإن كان للأرض الزلزلة فلنفس الآدمى الرّعدة. وإن كان للأرض القرار فللآدمى السكون والوقار. وإن كان فى الأرض الأنهار فللآدمى العروق. وإن كان للأرض النبات والأشجار فلنفس الآدمى الشعور. وإن كان فى السماء العرش فهمّة المؤمن أعلى وأعظم ؛ وهى متعلقة بالمولى. وإن كان فى السماء الجنّة فللمؤمن القلب ؛ وهو أزين منها ؛ لأن الجنة محل الشهوة ، والقلب محل المعرفة ؛ وخازن الجنّة رضوان وخازن قلب المؤمن الرحمن. إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، وفى رواية : القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء.
اللهم يا مقلّب القلوب [٢١٢ ا] ثبّت قلوبنا على طاعتك ، وأعنها على عبادتك ، وهب لها أرواحا تقودها إلى مشاهدتك ؛ فإنك قلت : ((١) وَالسَّابِقُونَ
__________________
(١) الواقعة : ١٠ ، ١١