وِرْداً (١)) : قد قدمنا أن الحشر على خمسة معان : حشر الميثاق (٢) : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ). وحشر التصوير (٣) : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ). وحشر البرية (٤) ؛ (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً). وحشر الخدمة (٥) : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ). وحشر الكرامات (٦) : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ). والمراد بالمتقين هنا من اتّقى الشرك والنفاق. وقيل فى المتّقى أقوال ؛ والظاهر أنهم الممتثلون ما أمرهم الله وانتهوا عما نهوا عنه. وقد قدمنا ما أكرمهم الله فى الدنيا والآخرة.
فإن قلت : ما الحكمة فى ذكر الحشر للمتقين ، وخصوصيتهم للرحمن لهم والسوق إلى المجرمين وخصوصيتهم لجهنم؟
فالجواب أن الحشر مع الرضا والاختيار ، والسوق مع الكراهية والسخط. والحشر للكرامة والأمانة والعلم. والسوق للجهد والإهانة. ولما كان الرضوان والسلام والرؤية والخلود للمتقين ، وهو أكبر من الجنة خصّهم بذكر الرحمن ؛ لأن شوقهم إليه ورجاءهم فيه ؛ فدلهم إليه لتسكن نفوسهم. ولما كان عند المجرمين الخوف من عقوبة النار لا منه ؛ لأنهم لم يعرفوه ـ ذكرهم بما هو أشد عليهم ؛ وهى جهنم ؛ ولو عقلوا لعلموا أنّ نار القطيعة أشدّ من القطيعة ، لكنهم خوّفوا بما هو معقول عندهم ، فسبحان من خاطب عباده بما يفهمونه ؛ خاطب المطيع بما هو مشتاق إليه ، وخاطب العاصى بما يخافه ؛ وعلى هذا هو أسلوب القرآن العظيم. وما يعقلها إلا العالمون.
(ننسفنه فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٧)) ؛ أى نلقيه فى البحر تفريق الغبار ونحوه.
__________________
(١) مريم : ٨٥ ، ٨٦
(٢) الأعراف : ١٧٢
(٣) الطارق : ٧
(٤) نوح : ١٧
(٥) النور : ٥٩
(٦) مريم : ٨٥
(٧) طه : ٩٧