إن نافع ابن الأزرق أتى ابن عباس فقال : قول الله : ولا يكتمون الله حديثا ، وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين. فقال : إنى أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم : آتى ابن عباس ألقى عليه متشابه القرآن ، فأخبرهم أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون : إن الله لا يقبل إلا ممّن وحّده ، فيسألهم فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين. قال : فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم.
ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة فى أثناء حديث ، وفيه : ثم يلقى الثالث فيقول : يا رب ، آمنت بك وبكتابك ورسولك ، ويثنى ما استطاع ؛ فيقول : الآن نبعث عليك شاهدا ، فيقول فى نفسه : من الذى يشهد علىّ! فيختم على فيه وتنطق جوارحه.
وأما الثالث ففيه أجوبة أخر ؛ منها : أن ثم بمعنى الواو ، فلا إيراد. وقيل : المراد ترتيب الخبر (١) لا المخبر به ؛ كقوله (٢) : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا). وقيل على بابها ؛ وهى لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى فى الزمان. وقيل خلق بمعنى قدّر.
وأما الرابع وجواب ابن عباس عنه فيحتمل كلامه أنه أراد سمّى نفسه غفورا رحيما ؛ وهذه التسمية مضت ؛ لأن التعلق انقضى. وأما الصفتان فلا تزالان كذلك لا تنقطعان ؛ لأنه إذا أراد المغفرة أو الرحمة فى الحال أو الاستقبال وقع مراده ؛ قاله الشمس الكرمانى (٣) ؛ قال : ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين : أحدهما أن التسمية هى التى كانت وانقضت ؛ والصفة لا نهاية لها ، والآخر
__________________
(١) فى ا : المخبر لا المخبر.
(٢) البلد : ١٧
(٣) هو محمد بن يوسف شمس الدين الكرمانى ، أحد علماء الحديث ، وشارح البخارى ، وصاحب كتاب ضمائر القرآن. توفى سنة ٧٨٦ (الدرر الكامنة : ٤ ـ ٣١٠).