وانظر إلى براعة آخر آية نزلت ، وهى قوله (١) : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، وما فيه من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة ، وكذا آخر سورة نزلت ، وهى سورة النّصر ، فيها الإشعار بالوفاة ، كما قال ابن عباس ، كأنه قال له : إذا جاء نصر الله والفتح فذلك علامة أجلك. فسبّح بحمد ربّك واستغفره [٣٤] إنه كان توابا ؛ ووافقه عمر على ذلك.
[ختم القرآن بالمعوذتين]
فإن قلت : ما الحكمة فى ختم هذا القرآن العظيم بالمعوّذتين؟ والجواب ما قاله ابن جرير فى تفسيره عن شيخه ابن الزبير : لثلاثة أمور :
الأول ـ لما كان القرآن العظيم من أعظم نعم الله على عباده ، والنعم مظنّة الحسد ، فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله.
الثانى ـ إنما ختم بهما لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال فيهما : أنزلت على آيات لم أر مثلهنّ قط ، كما قال فى فاتحة الكتاب : لم ينزل فى التوراة ولا فى الانجيل ولا فى الفرقان مثلها ؛ فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها ، واختتم بسورتين لم ير مثلهما ؛ ليجمع حسن الافتتاح والاختتام.
ألا ترى أن الخطب والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حسن افتتاحها واختتامها.
الثالث ـ أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم ختم القرآن بالمعوذتين لتحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ
__________________
(١) البقرة : ٢٨١