تنبيها على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر ، فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى.
قال : وأما الإعجاز المتعلق بصرف الناس عن معارضته فظاهر أيضا إذا اعتبر ؛ وذلك أنه ما من صناعة كانت محمودة أو مذمومة إلا وبينها وبين قوم مناسبات خفية واتفاقات فعلية (١) ، بدليل أن الواحد يؤثر حرفة من الحرف (٢) فينشرح صدره بملابستها ، وتطيعه قواه فى مباشرتها ، فيقبلها بانشراح صدر ويزاولها (٣) بقلبه.
فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون فى كل واد من المعانى بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن ، وعجزوا عن الإتيان بمثله ، ولم يقصدوا لمعارضته ، فلم يخف على ذوى البلاغة أن صارفا إلهيا صرفهم عن ذلك. وأىّ إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا فى الظاهر عن معارضة ، مصروفة فى الباطن عنها.
[بم يعلم إعجاز القرآن؟]
فإن قلت : هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة أم لا؟
فالجواب ظهور ذلك على النبى صلىاللهعليهوسلم يعلم [ذلك](٤) ضرورة ، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال.
قال أبو الحسن الأشعرى : والذى نقوله إن الأعجمى لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا. وكذلك من ليس ببليغ. فأما البليغ الذى أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.
فإن قلت : إنما وقع العجز فى الإنس دون الجن. فالجواب إن الجن ليسوا
__________________
(١) فى الاتقان : حملية.
(٢) فى ا : حرفا من الحروف ـ تحريف.
(٣) فى الإتقان : باتساع قلب.
(٤) ليس فى