من أهل اللسان العربى الذى جاء القرآن على أساليبه ؛ وإنما ذكروا فى قوله تعالى (١) : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ...) الآية تعظيما لشأنه ؛ لأن للهيئة الاجتماعية من القوة ما ليس للأفراد ، فإذا فرض اجتماع الثقلين ، وظاهر بعضهم بعضا ، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز.
وقال بعضهم : بل وقع للجن أيضا والملائكة منويون فى الآية ؛ لأنهم لا يقدرون أيضا على الإتيان بمثل القرآن.
وقال الكرمانى (٢) فى غرائب التفسير : إنما اقتصر فى الآية على ذكر الجن والإنس ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة.
فإن قلت : قد قال تعالى (٣) : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). وقد وجدنا فيه اختلافا وتفاوتا فى الفصاحة ؛ بل نجد فيه الأفصح والفصيح. والجواب أنه لو جاء القرآن على غير ذلك لكان على غير النمط المعتاد فى كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح ، فلا تتم الحجة فى الإعجاز ، فجاء على نمط كلامهم المعتاد ليتم ظهور العجز عن معارضته ولا يقولوا مثلا : أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه ، كما لا يصح للبصير (٤) أن يقول للأعمى : قد غلبتك بنظرى ؛ لأنه يقول له : إنما تتم لك الغلبة لو كنت قادرا على النظر ، وكان نظرى أقوى من نظرك. فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح منى المعارضة.
[تنزيه القرآن عن الشعر]
وقيل : إن الحكمة فى تنزيه القرآن عن الشعر الموزون ـ مع أن الشعر
__________________
(١) الاسراء : ٨٨.
(٢) هو أبو القاسم برهان الدين محمود بن حمزة بن نصر الكرمانى الشافعى ، يلقب تاج القراء. توفى بعد سنة ٥٠٠ (بغية الوعاة : ٣٨٧).
(٣) النساء : ٨٢.
(٤) فى ا : من البصير.