وأما «إذا ما» فوقعت فى القرآن فى قوله (١) : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ). ((٢) إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ). ولم أجد من تعرّض لكونها باقية على الظرفية أو محمولة إلى الحرفية. ويحتمل أن يجرى فيها القولان فى إذ ما. ويحتمل أن يجزم ببقائها على الظرفية ؛ لأنها أبعد عن التركيب بخلاف «إذ ما».
الرابع ـ تختص «إذا» بدخولها على المتيقّن ، والمظنون ، والكثير الوقوع ، بخلاف إن فإنها تستعمل فى المشكوك والموهوم والنادر ؛ ولهذا قال تعالى (٣) : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). ثم قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا). فأتى بإذا فى الوضوء لتكرّره وكثرة أسبابه ، وبإن فى الجنابة لقلّة وقوعها بالنسبة إلى الحدث.
وقال تعالى (٤) : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا). ((٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ؛ أتى فى جانب الحسنة بإذا لأنّ نعم الله على العباد كثيرة ومقطوع بها ، وبأن فى جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع ومشكوك فيها.
نعم أشكل على هذه القاعدة آيتان الأولى (٦) : (وَلَئِنْ مُتُّمْ). ((٧) أَفَإِنْ مِتَّ) ، مع أن الموت محقّق الوقوع ؛ والأخرى قوله (٨) : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) ؛ فأتى بإذا فى الظرفين.
فأجاب الزمخشرى عن الأولى بأن الموت لما كان مجهول الوقت أجرى مجرى غير المجزوم.
وأجاب السكاكى عن الثانية بأنه قصد التوبيخ والتقريع ؛ فأتى بإذا ليكون
__________________
(١) الشورى : ٣٧
(٢) التوبة : ٩٢
(٣) المائدة : ٦
(٤) الأعراف : ١٣١
(٥) الروم : ٣٦
(٦) آل عمران : ١٥٨
(٧) الأنبياء : ٣٤
(٨) الروم : ٣٣