ومعترك الأقران ، مع أنى ـ علم الله ـ لست من فرسان هذا الميدان ، ولا ممن يحول فى هذا الشأن ، لكنى تطفّلت على المتقدمين ، رجاء أن يضمنى جميل الاحتمال معهم ، ويسعنى من حسن التجاوز ما وسعهم ؛ وأنا أرغب ممن وقع بيده هذا الكتاب أن يدعو للساعى له فيه ؛ لأنه يجد فيه ما لا يجده فى كثير من المطولين الصعاب ، وكيف لا يذكره عند ربه وقد استخرجته له منهم سهل المرام ، فحفّ عليه حمله وثمنه ، وقرّبت عليه الفهم باختصار الكلام ، وايم الله لو أراد الاستغناء به عن النظر فى غيره لكفاه ، مع أنى زدت مع اللفظ المشترك تفسير مفردات لا بد له منها ، ليتم له معناه. وأعقبت كل حرف بحروف تشاكلها منها من الأسماء والظروف ، لأن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة ، لاختلاف مواقعها ؛ ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها ، كما فى قوله تعالى (١) : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). فاستعملت «على» فى جانب الحق و «فى» فى جانب الضلال ؛ لأن جانب الحق كأنه مستعل يصرّف نظره كيف شاء ، وصاحب الباطل كأنه فى ظلام منخفض لا يدرى أين يتوجه.
وقوله تعالى (٢) : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ). عطف الجمل الأولى بالفاء ، والأخيرة بالواو لما انقطع نظام الرّتب ؛ لأن التلطّف غير مرتّب على الإتيان بالطعام ، كما كان الإتيان به مرتبا على النظر فيه ، والنظر فيه مرتبا على التوجه فى طلبه ، والتوجه فى طلبه مرتبا على قطع الجدال فى المسألة عن مدة اللبث وتسليم العلم له تعالى.
وقوله (٣) : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...) الآية. عدل (٤)
__________________
(١) سبأ : ٢٤
(٢) الكهف : ١٩
(٣) التوبة : ٦٠
(٤) الكشاف (١ ـ ٣٩٨)