الوجه الثلاثون من وجوه إعجازه اشتماله على جميع أنواع البراهين والأدلة
وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحديد يبنى من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله قد نطق به ؛ لكن أورده على عادة العرب دون دقائق طرق المتكلمين ، لأمرين :
أحدهما ـ بسبب ما قاله (١) : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).
والثانى ـ أن المائل إلى دقيق المحاجّة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام ؛ فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذى يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذى لا يعرفه إلا الأقلّون ، ولم يكن ملغزا ، فأخرج تعالى مخاطباته فى محاجّة خلقه فى أجلى صورة ؛ ليفهم العامة من جليلها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة ، وتفهم الخواص من أثنائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء.
وقد أفرد جدل القرآن بالتصنيف نجم الدين الطوفى (٢).
قال ابن أبى الإصبع (٣) : زعم الجاحظ أن المذهب الكلامى لا يوجد منه شىء فى القرآن ، وهو مشحون به ، وتعريفه أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاندة فيه على طريقة أرباب الكلام. ومنه نوع منطقى تستنتج منه
__________________
(١) إبراهيم : ٤
(٢) هو سليمان بن عبد القادر بن عبد الكريم المعروف بنجم الدين الطوفى المتوفى سنة ٧١٦ ه (الدر الكامنة : ٢ ـ ١٥٤).
(٣) بديع القرآن : ٣٧ ، ٣٨