وقال غيره : أكثر الأقسام فى القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو ؛ فإذا ذكرت الباء أتى بالفعل ؛ كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ). ((١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ). ولا تجد الباء مع حذف الفعل. ومن ثمّ كان خطأ من جعل قسما بالله (٢) : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). ((٣) ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ). ((٤) بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ).
وقال ابن القيّم : اعلم أنه سبحانه يقسم بأمور على أمور ، وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته ، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته. فالقسم إما على جملة خبرية ، وهو الغالب ، كقوله (٥) : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ). وإما على جملة طلبية ، كقوله (٦) : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ). مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه ، فيكون من باب الخبر ؛ وقد يراد به تحقيق المقسم ؛ فالقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه ؛ فلا بد أن يكون مما نحن (٧) فيه ؛ وذلك كالأمور الغائبة (٨) الخفيّة ؛ إذا أقسم على ثبوتها ؛ فأما الأمور المشهودة الظاهرة ، كالشمس ، والليل ، والنهار ، والسماء ، والأرض ـ فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها. وما أقسم عليه الرب فهو من آياته ، فيجوز أن يكون مقسما به ، ولا ينعكس.
وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب ، ويحذفه أخرى كما يحذف جواب «لو» كثيرا للعلم.
ولما كان القسم يكثر فى الكلام اختصر ، فصار فعل القسم يحذف ويكتفى
__________________
(١) التوبة : ٦٢
(٢) لقمان : ١٣
(٣) الزخرف : ٤٩
(٤) المائدة : ١١٦
(٥) الذاريات : ٢٣
(٦) الحجر : ٩٢
(٧) فى الإتقان : يحسن.
(٨) فى ب : الغائية.