تنبيه
لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعنى ؛ كقوله تعالى (١) : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ). قيل : ما الحكمة فى أنه لم يقل وما أنت بمصدّق ؛ فإنه يؤدى معناه مع رعاية التجنيس؟ وأجيب بأن فى مؤمن لنا من المعنى ما ليس فى مصدق ؛ لأن معنى قولك : فلان مثلا مصدّق لى : قال لى صدقت. وأما مؤمن فمعناه مع التصديق إعطاء الأمن ؛ ومقصودهم التصديق وزيادة ، وهو طلب الأمن ، فلذلك عبّر به.
وقد زلّ بعض الأدباء فقال فى قوله (٢) : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) ـ لو قال : وتدعون لكان فيه مجانسة.
وأجاب الإمام فخر الدين : بأن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكليفات ؛ بل لأجل قوة المعانى ، وجزالة الألفاظ.
وأجاب غيره بأن مراعاة المعانى أولى من مراعاة الألفاظ. ولو قيل : أتدعون وتدعون لوقع الالتباس على القارئ ، فيجعلهما بمعنى واحد تصحيفا. وهذا الجواب غير ناضج.
وأجاب ابن الزّملكانى بأن التجنيس تحسين ، وإنما يستعمل فى مقام الوعد والتوعد والإحسان لا فى مقام التهويل.
وأجاب الخويى بأن «يدع» أخص من يذر ؛ لأنه بمعنى ترك الشيء مع اعتنائه بشهادة الاشتقاق ؛ نحو الإيداع ، فإنه عبارة عن ترك الوديعة
__________________
(١) يوسف : ١٧
(٢) الصافات : ٢٥