ومنه : ((١) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ الله ، لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للالهية ؛ لأن دائرة الربوبية أوسع.
ومنه (٢) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) إلى قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). وإعادته فى جملة أخرى أحسن منه فى الجملة الواحدة لانفصالها ، وبعد الطول أحسن من الإضمار ؛ لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه ، كقوله (٣) : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) ـ بعد قوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ).
النوع الرابع عشر ـ الإيغال :
وهو الإمعان ، وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها. وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر ؛ وردّ بأنه وقع فى القرآن ؛ من ذلك قوله (٤) : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ...). فقوله : بعده : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إيغال ؛ لأنه يتم المعنى بدونه ؛ إذ الرسول مهتد لا محالة ، لكن فيه زيادة مبالغة فى الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه. وجعل ابن أبى الإصبع منه (٥) : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ؛ فإن قوله : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) زائد على المعنى ، مبالغة فى عدم انتفاعهم.
__________________
(١) البقرة : ١٠٥
(٢) الأنعام : ١
(٣) الأنعام : ٨٣
(٤) يس : ٢٠ ، ٢١
(٥) النمل : ٨٠ ، وانظر بديع القرآن : ٩١ ، وتحرير التجبير : ٢٣٤