لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى آخرين ؛ وكذا سائر القصص ؛ فأراد الله اشتراك الجميع فيها ، فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين.
ومنها أن فى إبراز الكلام الواحد فى فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة.
ومنها أن الدواعى لا تتوفّر على نقلها كتوفرها على نقل الأحكام ؛ فلهذا كررت القصص دون الأحكام.
ومنها أنه تعالى أنزل هذا القرآن ، وعجز القوم عن الإتيان بمثله ، ثم أوضح الأمر فى عجزهم بأن كرر ذكر القصة فى مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأى نظم جاءوا وبأى عبارة عبّروا.
ومنها أنه لما تحداهم قال (١) : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ). فلو ذكرت القصة فى موضع واحد ، واكتفى بها لقال العربى : ائتونا أنتم بسورة من مثله ، فأنزلها سبحانه فى تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه.
ومنها أن القصة الواحدة لما كررت كان فى ألفاظها فى كل موضع زيادة ونقصان ، وتقديم وتأخير ؛ وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى ، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب فى إخراج الأمر الواحد فى صورة متباينة فى النظم ، وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حب التنقل بين الأشياء المتجددة ، واستلذاذها بها ، وإظهار خاصة القرآن ، حيث لم يحصل ـ مع ذلك التكرير فيه ـ هجنة فى اللفظ ، ولا ملل عند سماعه ؛ فباين بذلك كلام المخلوقين.
وقد سئل : ما الحكمة فى عدم تكرير قصة يوسف ، وسوقها مساقا واحدا
__________________
(١) البقرة : ٢٣