وقال الخفاجى فى سر الفصاحة (١) : قول الرمانى : إن السجع عيب والفواصل بلاغة غلط ؛ فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى ـ وهو (٢) غير مقصود فذلك بلاغة ؛ والفواصل مثله. وإن أراد به ما تقع المعانى تابعة له ـ وهو مقصود متكلف ـ فذلك عيب. والفواصل مثله.
قال : وأظن الذى دعاهم إلى تسمية كل ما فى القرآن فواصل ، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا ـ رغبتهم فى تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروى عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض فى التسمية قريب.
والحقيقة ما قلناه.
قال : والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة فى مقاطع الفواصل.
قال : فإن قيل : إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلّا ورد القرآن كله مسجوعا؟ وما الوجه فى ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟
قلنا : إن القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى عرفهم وعادتهم ؛ وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا ؛ لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لاستماع (٣) طول الكلام ، فلم يرد كله مسجوعا جريا منهم على عرفهم فى اللطيفة الغالبة (٤) من كلامهم ، ولم يخل من السجع ؛ لأنه يحسن فى بعض الكلام على الصفة السابقة.
[مراعاة المناسبة]
وقد ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفى كتابا سماه «إحكام الراى
__________________
(١) سر الفصاحة : ١٦٦ وما بعدها
(٢) فى البرهان : وكأنه.
(٣) فى الاتقان : ٩٩ ، والبرهان : ١ ـ ٥٨ : لا سيما فيما يطول الكلام.
(٤) فى سر الفصاحة : فى الطبقة العالية. وفى البرهان : فى اللطيفة العالية.