لا بطريق المجاز ؛ وليس يعنون بذلك حلول كلام الله تعالى القديم فى هذه الأجرام ، تعالى الله عن ذلك ؛ وإنما يريدون أنّ كلامه جلّ وعلا مذكور مدلول عليه بتلاوة اللسان ، وكلام الجنان ، وكتابة البنان ، فهو موجود فيها حقيقة وعلما لا مدلولا ؛ لأنّ الشيء له وجودات أربع : وجود فى الأذهان ، ووجود فى الأعيان ، ووجود فى اللسان ، ووجود بالبنان ، أى بالكتابة بالأصابع ؛ فالوجود الأول الذات الحقيقى ، وسائر الوجودات إنما هى باعتبار الدلالة والفهم.
وبهذا تعرف أنّ التلاوة غير المتلوّ ، والقراءة غير المقروء ، والكتابة غير المكتوب ؛ لأنّ الأول من كل قسمين من هذه الأقسام حادث ، والثانى منها قديم لا نهاية له.
[إعجاز القرآن]
وقد أفرد علماؤنا رضى الله عنهم بتصنيف إعجاز القرآن ، وخاضوا فى وجوه إعجازه كثيرا ، منهم الخطابى (١) ، والرمّانى (٢) ، والزّملكانىّ ، والإمام الرازى ، وابن سراقة ، والقاضى أبو بكر الباقلّاني (٣) ، وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين.
والصواب أنه لا نهاية لوجوه إعجازه كما قال السكاكى فى المفتاح (٤) : اعلم
__________________
(١) كتاب إعجاز القرآن للخطابى طبع فى دار التأليف سنة ١٣٧٢ ه. وهو حمد بن محمد ابن إبراهيم البستى ولد سنة ٣١٩ ، وتوفى سنة ٣٨٨ ، وهو من أعلام الفكر الإسلامى فى القرن الرابع.
(٢) هو على بن عيسى الرمانى المعتزلى ولد سنة ٢٧٦. ومات سنة ٣٨٤ ه. له رسالة فى إعجاز القرآن طبعت فى دار المعارف. وله أيضا النكت فى إعجاز القرآن طبع فى دهلى سنة ١٩٣٤.
(٣) وكتابه إعجاز القرآن معروف مشهور.
(٤) البرهان : ١ ـ ٣١١.