وقال غيره (١) : بل كان للعرب العاربة التى نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة فى أسفارهم ، فعلّقت العرب من لغاتهم ألفاظا غيرت بعضها بالنقص من حروفها ، واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها ، حتى جرت مجرى العربى الفصيح ، ووقع بها البيان. وعلى هذا الحد نزل بها القرآن.
وقال آخرون : كل هذه الألفاظ عربية صرف ، ولكن لغة العرب متسعة جدا ، ولا يبعد أن تخفى على أكابر الجلّة. وقد خفى على ابن عباس معنى فاطر وفاتح.
قال الشافعى فى الرسالة : لا يحيط باللغة إلا نبى. وقال أبو المعالى عزيرى ابن عبد الملك (٢) : إنما وجدت هذه الألفاظ فى لغة العرب ، لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظا. ويجوز أن يكونوا سبقوا إلى هذه الألفاظ.
وذهب آخرون إلى وقوعه فيه. وأجابوا عن قوله (٣) : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيا ؛ فالقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية. وعن قوله (٤) : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) ـ بأن المعنى من السياق : أكلام أعجمى ومخاطب عربى؟ واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمة.
وردّ هذا الاستدلال [٣٤ ب] بأن الأعلام ليست محل خلاف ؛ فالكلام فى غيرها ؛ فوجّه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس. وأقوى ما رأيته للوقوع ـ وهو اختيارى ـ ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن عن أبى ميسرة التابعى (٥) الجليل ، قال : فى القرآن من كل لسان.
__________________
(١) هو ابن عطية فى مقدمة كتابه فى التفسير صفحة ٢٧٧
(٢) البرهان : ١ ـ ٢٩٠
(٣) يوسف : ٣
(٤) فصلت : ٤٤
(٥) فى ا : الشافعى.