ووجه إفادة الحصر أن الاستثناء المفرّغ لا بد أن يتوجه النفى فيه إلى مقدّر وهو مستثنى منه ، لأن الاستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه. والمراد التقدير المعنوى لا الصناعى.
ولا بد أن يكون عاما ؛ لأن الإخراج لا يكون إلا من عام. ولا بد أن [يكون مناسبا للمستثنى منه فى جنسه مثل ما قام إلا زيد ، أى لا أحد. وما أكلت إلا تمرا ، أى مأكولا ، ولا بد أن](١) يوافقه (٢) فى صفته ؛ أى إعرابه ، وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شىء بإلا ضرورة بإبقاء ما عداه على صفة الانتفاء.
وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم. وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب ، نحو (٣) : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) ؛ فإنه خطاب للصحابة ، وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبى صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه نزّل استعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته ؛ لأن كل رسول فلا بد من موته ، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثانى ـ «إنما» الجمهور على أنها للحصر ، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم ، وأنكر قوم إفادتها ، منهم أبو حيان ، واستدل مثبتوه بأمور ، منها : قوله تعالى (٤) : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) بالنصب ، فإن معناه : ما حرم عليكم إلا الميتة ، لأنه المطابق فى المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر ، فكذا قراءة النصب. والأصل استواء معنى القراءتين.
ومنها أن إن للاثبات وما للنفى ، فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفى
__________________
(١) من الاتقان.
(٢) فى ب : يفارقه.
(٣) آل عمران : ١٤٤
(٤) الحج : ١٧٣