كهذه الآيات ، وبفعله مثل : والسماء وما بناها ... الآيات ، وما ضاهاها ، من أفعاله ، كقوله تعالى : والنجم إذا هوى. والطور والتين. والليل.
فإن قلت : إن كان القسم لأجل المؤمن فإنه يصدقه بغير قسم ، وإن كان للكافر فإنه لا يصدقه ؛ فما فائدته؟
والجواب أن قسمه تعالى لإكمال الحجة وتأكيدها ، والحاكم يقبل الحكم باثنين ، إمّا بالشهادة وإمّا بالقسم ، فذكر الله القسم فى كتابه كى لا تبقى لهم حجة على الله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون على هذه العقول الخسيسة ، اختارنا من بين جامد (١) وناى ، وناطق وصامت ، وذلك أنه اختار الناى (١) من الجامد لما كان فيه من الخضرة والزهرة والطيب والمنفعة ، ثم اختار الحيوان من الناى (١) لما فيه من الحركة والقوّة والتصرف والزينة ، ثم اختار الناطق من الحيوان لما فيه من الفصاحة والذلاقة والفطنة والبصيرة ، ثم اختار الممتحن من الناطق لما أفادهم من العلم والحجة والدعوة والشريعة ، ثم اختار المؤمن من الممتحن لما آتاه الله من المعرفة والهداية والتوحيد والشهادة ، ثم اختار المحب بالثناء والبشارة والمحبة ، قال تعالى (٢) : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ). ((٣) يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). واصطفاك يا محمدى لوحيه ، قال تعالى (٤) : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا). فأنت مختار المختار ، ووعدك برزقه كى تتفرغ لخدمته ، وضمنه لك ولم تثق بضمانه حتى أقسم لك به ، فأعرضت عن هذا كله ، واشتغلت بالمعاصى والفجور عن طاعته ، أما علمت أنّ زلّة الوزير ليست كزلّة العامّة ، يعصى الوزير فتضرب رقبته ، ويعصى أحد العامة فلا يلتفت إليه ، أليس من الغبن العظيم والرزء الجسيم ـ أنك تثق بمخلوق مثلك ، يقول لك : غذاؤك اليوم والعشاء علىّ
__________________
(١) هذا بالأصلين ولم أتبينها. وقد تكون محرفة عن «دائب».
(٢) التوبة : ١٤٢.
(٣) المائدة : ٥٤.
(٤) فاطر : ٣٢.