في طلب العلم أبدا» ، أو «اتّجر أبدا» وغير ذلك ، ونحن نعلم أنّه لا يراد بجميع ذلك الدّوام ، لأنّه لا بدّ من انقطاع المأمور به.
وإن اقترن باللّفظ دليل يدلّ على أنّ المراد بالأمر التّكرار ، فذلك أيضا لا يدلّ على الدّوام ، لأنّه إنّما يقتضي تكرار الفعل ما دام مصلحة ، فأمّا إذا تغيّرت فلا يقتضيه ، لأنّ دلالة السّمع تترتّب على دلالة العقل ، ومعلوم بالعقل أنّ الله تعالى إنّما يأمرنا بالفعل ما دام مصلحة لنا ، فإذا صار مثله مفسدة وجب أن ينهى عنه ، ويجري ذلك مجرى ما علم بالعقل أنّه يأمرنا بالفعل ما دمنا قادرين ، فإذا عجزنا عنه سقط التّكليف عنّا ، فإذا ثبت ذلك كان أمره تعالى مرتّبا على دليل العقل ، ويصير ذلك في حكم المنطوق به.
وإذا ثبت ما قلناه ، فقولهم : «إنّ النّهي ينقض دلالة الأمر» كقول القائل إنّ العجز المزيل للزوم المأمور به ينقض دلالة الآمر ، وذلك بيّن الفساد.
والجواب عن الشّبهة الخامسة ، وهي أنّه إذا أطلق الأمر ، فلو كان المراد به إلى وقت لبيّنه كما يجب بيان الخصوص والمجمل ، فهو : أنّ الآمر إنّما يجب أن يبيّن ما قصد بالأمر إليه وما لا يصحّ مع عدم بيانه ، إذ المأمور به من المكلّف ، فأمّا ما عداه فلا يجب بيانه في الحال ، وقد علمنا أنّ المكلّف متى بيّن له صفة ما امر وأمكنه ، أدّاه على الوجه الّذي كلّفه ، وإن لم يبيّن له الوقت الّذي يزول وجوب ذلك فيه ، ولا يصحّ منه أداء المأمور به بالخطاب المجمل إلّا بعد البيان ، وكذلك القول في تخصيص العموم ، فلذلك ساغ تأخير بيان النّسخ عن حال الخطاب ، وامتنع ذلك في تخصيص العام وبيان المجمل ، والشّاهد يشهد بصحّة ما قلناه ، ولأنّ السيّد لو أمر غلامه بأخذ وظيفة له في كلّ يوم وفي نيّته إلى غاية ، لم يجب أن يبيّنها له ، وإن كان لا بدّ من أن يبيّن له صفة الوظيفة الّتي أمره بأخذها ، وهذا بيّن.
والجواب عن الشّبهة السّادسة ، وهي قولهم : إنّه إذا أطلق الأمر فقد أوجب اعتقاد لزوم المأمور به أبدا ، أو العزم على فعله أبدا ، والنّهي يقتضي كونهما قبيحين فهو : أنّ الأمر إذا ورد فإنّما يجب أن يعتقد المأمور فعله ما دام مصلحة ، والعزم على