والنّدب ، والإباحة ، حتّى يصحّ أن يكون عالما بما يفتي به.
فإنّ أخلّ بذلك أو بشيء منه ، لم يأمن أن يكون ما أفتى به بخلاف ما أفتى به ، وذلك قبيح.
وقد عدّ من خالفنا في هذه الأقسام أنّه لا بدّ أن يكون عالما بالقياس ، والاجتهاد ، وأخبار الآحاد ، ووجوه العلل والمقاييس ، وإثبات الأمارات المقتضية لغلبة الظّنّ ، وإثبات الأحكام (١).
وقد بيّنّا نحن فساد ذلك وأنّها ليست من أدلّة الشّرع.
وأمّا المستفتي فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون متمكّنا من الاستدلال والوصول إلى العلم بالحادثة مثل المفتي ، فمن هذه صورته لا يجوز له أن يقلّد المفتي ويرجع إلى فتياه ، وإنّما قلنا ذلك لأنّ قول المفتي غاية ما يوجبه غلبة الظّن ، وإذا كان له طريق إلى حصول العلم فلا يجوز له أن يعمل على غلبة الظّن على حال.
وامّا إذا لم يمكنه الاستدلال ويعجز عن البحث عن ذلك ، فقد اختلف قول العلماء في ذلك.
فحكي عن قوم من البغداديّين (٢) أنّهم قالوا : لا يجوز له أن يقلّد المفتي ، وإنّما ينبغي أن يرجع إليه لينبّهه على طريقة العلم بالحادثة ، وأنّ تقليده محرّم على كلّ حال ، وسوّوا في ذلك بين أحكام الفروع والأصول.
وذهب البصريّون (٣) ، والفقهاء بأسرهم (٤) إلى أنّ العاميّ لا يجب عليه
__________________
(١) انظر : «المعتمد ٢ : ٣٥٩ ـ ٣٥٧ ، الأحكام للآمدي ٤ : ٣٩٨ ـ ٣٩٧ ، إرشاد الفحول : ٣٧٤ ـ ٣٧١ ، اللّمع : ١٢٠ ، شرح اللّمع ٢ : ١٠٣٥ ـ ١٠٣٣ ، الرّسالة للشّافعي : ٥٠٩ ، شرح المنهاج ٢ : ٨٣٢ روضة النّاظر : ٣٢٠ ـ ٣١٩ ، المنخول : ٤٦٤ ـ ٤٦٣».
(٢) الأحكام للآمدي ٤ : ٤٥١ ، المعتمد ٢ : ٣٦٠ ، وقد وصفهم بقوله : «قوم من شيوخنا البغداديين».
(٣) أي معتزلة البصرة.
(٤) انظر : «المعتمد ٢ : ٣٦١ ، الذريعة ٢ : ٧٩٦ ، التبصرة : ٤١٤ ، الأحكام للآمدي ٤ : ٤٥٠ ، إرشاد الفحول : ٣٩٩