الحقيقة؟
وليس لهم أن يقولوا : نحن نجمع بين الأمرين لأنّهما يتنافيان ، والجمع بينهما لا يصحّ.
ولا لهم أيضا أن يقولوا : قولنا أرجح من حيث كان فيه إثبات للأحكام ، وقولكم فيه نفي لها.
وذلك لأنّ التّرجيح بما ذكروه إنّما يصحّ متى ثبت كلا وجهي القياس ، فيصحّ التّرجيح والتّفرقة ، فأمّا الخلاف فيهما هل يثبتان أو يثبت [أحدهما فلا](١) ترجيح يمكن في ذلك.
ويقال لهم : في تعلّقهم بالآية ثانيا : إذا كان الله تعالى قد نبّه على ما زعمتم بالآية على أنّ المشاركة في السّبب والعلّة تقتضي المشاركة في الحكم ، فيجب أن يكون كلّ من فعل مثل فعل الّذين أخبر الله تعالى عنهم في الآية ، يحلّ بهم مثل ما حلّ بهم.
فإن قالوا : هو كذلك. أريناهم بطلان قولهم ضرورة لو جوّزنا من يشارك المذكورين في المخالفة والمعصية وإن لم يصبه ما أصابهم ، وهذا من ضعيف ما يتمسّك به.
وتعلّقوا أيضا بقوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٢) ، وقوله تعالى : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(٣). قالوا : والمثليّة والمقدار طريقه غالب الظّن.
وبقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٤) قالوا وذلك طريقه غالب الظّن.
وهذه الآيات لا تخلو أن يكون المستدلّ بها يعتمدها في جواز التّعبّد بالظّنون ،
__________________
(١) زيادة من النسخة الثّانية.
(٢) المائدة : ٩٥.
(٣) البقرة : ٢٣٦.
(٤) النساء : ٣.