مجازا ، وجرى مجرى قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(١) وأراد أهلها.
وهذا الّذي ذكروه غير صحيح ولا شبهة فيه ، وذلك أنّ التّحليل والتّحريم وإن استحال تعلّقهما بالأعيان من حيث كانت موجودة كائنة لا يصحّ وقوعها ، ولا هي في مقدورنا فيصحّ أن نتعبّد بها ، فإنّما ينصرف إلى الفعل الّذي يصحّ أن يقع منا ، فقد صار بعرف الشّرع يستعمل في الأعيان ويراد بها الأفعال فيها ، وقد بيّنا فيما مضى (٢) أنّ الاسم إذا انتقل عن أصل الوضع إلى عرف الشّرع وجب حمله على ما يقتضيه عرف الشّرع ، لأنّ ذلك صار حقيقة فيه ، ألا ترى إنّه إذا قال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(٣) لا يسبق إلى فهم أحد تحريم الذّوات ، وإنّما يفهم من ذلك تحريم الوطء والعقد لا غير ، ولا فرق بين من دفع ذلك وبين من دفع أن تكون لفظة «الغائط» منتقلا عمّا وضع له في اللّغة ، ويتوصّل بذلك أنّ قول القائل : «أتيت الغائط» لا ينبئ عن الحدث المخصوص ، والمعلوم خلاف ذلك.
وإذا ثبت ذلك صار لفظ «التّحريم» إذا علّق بالعين فهم منه تحريم الفعل فيها ، فصار كفحوى الخطاب الّذي يدلّ على الشّيء وإن لم يتناوله لفظا.
ولا فرق بين من دفع الاستدلال بظاهر قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(٤) على تحريم الفعل فيها ، وبين من دفع الاستدلال بقوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما)(٥) على تحريم ضربهما وشتمهما.
وليس لهم أن يقولوا : لو كان أمره على ما ذهبتم إليه لما اختلفت فائدة مفهوم ذلك ، ألا ترى أنّ قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(٣) ، التّحريم تناول هاهنا العقد
__________________
(١) يوسف : ٨٢.
(٢) انظر بيان المصنّف في صفحة ٥٤ و ٥٥.
(٣) النساء : ٢٣.
(٤) المائدة : ٣.
(٥) الإسراء : ٢٣.