ولأجل ذلك رجعت الصّحابة في بيان صفة الوضوء إلى كيفيّة فعل النّبي (١) صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن دفع وقوع البيان بالأفعال كان مبعدا ، فلا فرق بين قوله في ذلك ، وبين من دفع ثبوت الأحكام بالأفعال ، وفي ذلك خروج عن الإجماع.
فإن قال : أليس من حقّ بيان الكلام أن يكون متّصلا به أو في حكم المتّصل به ، ولا يصحّ في الفعل مع الوقف ، فكيف يصحّ أن يكون بيانا له؟
قيل له : لا نسلّم أنّ من حقّ البيان أن يكون متّصلا بالكلام على كلّ حال ، بل يجوز عندنا أن يتأخّر البيان عن حال الخطاب إذا لم يكن الوقت وقت الحاجة على ما نبيّنه (٢) ، فعلى هذا يصحّ أن يتأخّر البيان ويقع بالفعل ، ومتى فرضنا أنّ الوقت وقت الحاجة ، فذلك أيضا لا يمنع من وقوع البيان بالفعل ، ألا ترى أنّه لا فرق بين أن يقول : «صلّوا إذا زالت الشّمس صلاة أوجبها الله عليكم» فإذا زالت الشّمس بيّنها وبيّن كيفيّتها وصفاتها ، وبين أن يقوم عند الزّوال فيصلّي صلاة ، فإنّا نعلم به بيان تلك الصّلاة بفعله كما نعلم بقوله لو بيّنها به.
وليس يلزم من حيث كان الفعل لا يقع إلّا في زمان ممتدّ أن يمنع ذلك من وقوع البيان به كما يمنع ذلك في القول ، لأنّ البيان بالقول أيضا ممتدّ الزّمان فيه كما يقع بالقول الّذي لا يمتدّ الزّمان فيه من وجيز الكلام ، فليس امتداد أحدهما إلّا كامتداد الآخر ، وإن كان أحدهما أكثر والآخر أقلّ.
فإن قيل : كيف يعلم تعلّق الفعل بالمبيّن حتّى يعلم أنّه بيان له؟ ، مع تجويز أن يكون ذلك الفعل وقع ابتداء لا بيانا لمّا تقدّم ، [و] في هذا ارتفاع التّبيّن به.
قيل له : إذا خاطب بالمجمل ، ولم يكن الوقت وقت الحاجة ، جاز أن يقول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أبيّن صفة ما أو أجبت عليكم بالفعل» ، فإذا جاء
__________________
(١) وهو المشهور بالوضوءات البيانيّة ، انظر : «الكافي ٣ : ٢٤ ح ١ أو ٣ ، ٣ : ٢٥ ح ٤ و ٥ ، التّهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٧ و ١ : ٥٦ ح ١٥٨ ، الإستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٨ ، شرح معاني الآثار ١ : ٣٥ ، المصنّف لعبد الرزّاق ١ : ٢١ ح ٦١ ، وغيرها من الأحاديث البيانيّة الواردة في أبواب الوضوء من المجاميع الروائيّة».
(٢) انظر كلام المصنّف في صفحة ٤٥٠.