اليهود الّذين رجع إليهم لأن يقول مثلهم ، [و] لا يقع العلم ولا هم على صفة يقبل قولهم في الدّيانات ، ولما مدحهم في أنّ ذلك في التّوراة ، لأنّه قد ظهر تحريفهم لكثير منها ، فدلّ جميع ذلك على بطلان تعلّقهم به.
وتعلّقوا أيضا : بقوله تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)(١) ، وبقوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٢) ، وبقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ)(٣) وهو عليهالسلام من جملتهم ، وذلك يقتضي صحّة ما قالوه.
قيل له : أمّا الملّة الّتي أمرنا باتّباعها فهو دين إبراهيم عليهالسلام ، لأنّ الملّة هي «الدّين» لأنّ المراد بذلك التّوحيد والعدل ، يبيّن ذلك قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)(٤) وقد علمنا أنّ الملّة الّتي يستحقّ الرّاغب عنها هذا الوصف هي العقليّات.
وأمّا قوله تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٥) فإنّه أراد بذلك أدلّتهم الّتي تدلّ على العقليّات ، لأنّ ذلك هو الّذي يضاف إليهم. فاما الشّريعة فقوله هو الدليل فيها ، فالإضافة لا تصحّ فيها.
وأمّا قوله تعالى : (فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ)(٦) : فالمراد به ما قدّمناه ، يدلّ على ذلك قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) فظاهر ذلك يقتضي أنّ كلّ من كان قبل موسى عليهالسلام قد حكم بذلك ، ولا يصحّ مع ذلك حمله على الشّرعيّات.
فهذه جملة كافية في هذا الباب.
__________________
(١) النساء : ١٢٥.
(٢) الأنعام : ٩٠.
(٣) المائدة : ٤٤.
(٤) البقرة : ١٣٠.
(٥) الأنعام : ٩٠.
(٦) المائدة : ٤٤.