فصل بين أن يكون واجبا ، أو ندبا ، أو مباحا ، وربّما استعمل (١) الفقهاء هذه اللّفظة فيما يكون مندوبا إليه من الشّرعيّات ليفصلوا بينه وبين الواجب فيقولون : «ركعتا الفجر سنّة ، وصلاة اللّيل سنّة ، وصلاة الغداة (٢) فريضة» والأصل ما قدّمناه.
فأمّا الفعل الحسن : فعلى جميع مراتبه يقع من كلّ فاعل ، قديما كان أو محدثا ، إلّا أنّه يمنع من التّسمية في بعض الأقسام في أفعال القديم تعالى لما قدّمناه من الشرط المفقود منه.
واما القبيح : فانّه يختلف أحوال الفاعلين فيه :
فالقديم تعالى لا يجوز أن يقع منه شيء من القبيح لعلمه بقبحه ، وبأنّه غنيّ عنه (٣).
وأمّا الأنبياء عليهمالسلام فكذلك لا يقع منهم شيء من القبيح أصلا (وكذا الرّسل) (٤) سواء كانوا من البشر أو من الملائكة (٥) ، وكذلك حكم الأئمّة الحافظين
__________________
(١) استعملت.
(٢) في الأصل : العراة.
(٣) قال المصنّف في (الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٨٨) : «فالّذي يدلّ على أنّه لا يفعله (أي القبيح) علمه بقبح القبائح ، وعلمه بأنّه غنيّ عنه ، والعالم بقبح القبيح ، وبأنّه غنيّ عنه لا يجوز أن يختاره. ألا ترى أنّ من خيّر بين الصدق والكذب في باب الوصول إلى غرضه ، وهو عالم بقبح الكذب وحسن الصدق لا يجوز أن يختار الكذب على الصّدق مع تساويهما في باب الغرض ، ولا علّة لذلك إلّا كونه عالما بقبح الكذب ، وبأنّه غنيّ عنه بالصّدق ، فيجب أن يكون تعالى لا يفعل القبيح لثبوت الأمرين. على أنّه لو جازت عليه الحاجة لما جاز أن يفعل القبيح لأنّه يقدر من جنسه من الحسن على ما لا يتناهى».
(٤) زيادة من النسخة الثّانية ، وفي الأصل : سواء كان من البشر.
(٥) قد اختلفت آراء المتكلّمين حول مسألة عصمة الأنبياء عليهمالسلام وارتكابهم القبائح ، فمذهب الإماميّة هو : «أنّ أنبياء الله صلوات الله عليهم معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها ، وممّا يستخفّ فاعله من الصغائر كلّها. وأما ما كان من صغير لا يستخفّ فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد وممتنع منهم بعدها على كلّ حال. وأمّا نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن لم يعص الله عزوجل منذ خلقه الله عزوجل إلى أن قبضه ولا تعهّد خلافا ولا أذنب ذنبا على التّعمد ولا النسيان» ، وجمهور أهل السّنّة والمعتزلة والزيديّة تخالف الإماميّة ، ولهم تفصيل في هذا الباب ، وإليك خلاصة مذاهبهم كما أوردها عبد القاهر