قولا آخر على حسب ما يفعله كثير منهم!! (١)
وأمّا الباقون من الفقهاء والمتكلّمون فعلى جواز ذلك (٢).
وتعلّق من منع من ذلك بأن قال : إذا لم يجز نسخ القرآن إلّا بقرآن لمساواته له في الرّتبة ، فكذلك لا تنسخ السّنّة بالكتاب لمثل ذلك ، ولأنّه جعل مبيّنا فلا يجوز أن تنسخ سنّة القرآن ، لأنّ في ذلك إخراجا له من أن يكون مبيّنا ، بل يجب كون سنّته مبيّنة بالقرآن.
والّذي يعتمد في ذلك جواز نسخ السّنّة بالقرآن ، والّذي يدلّ على ذلك أنّه قد
__________________
(١) إنّ بعض الآراء تعين القارئ على معرفته بمبلغ علم صاحب الرّأي ومقدار فهمه وتضلّعه ، القائل : بعدم قدرة الكتاب على نسخ السّنّة النبويّة لا يرفع برأيه هذا شأن السّنّة وإنّما يدل على جهله بحقيقة القرآن وبعده عن فهم محتوى هذا الكتاب الّذي نزّل تبيانا للنّاس ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد كبر هذا الرّأي على أصحاب الشّافعي والمدافعين عن آرائه فحاولوا نفيه عنه أو تأويله كما هو شأنهم وديدنهم في كثير من الظّواهر الصّريحة من الكتاب والسّنّة. قال ابن السّبكي : (الإبهاج ٢ : ٢٧٠) : «أمّا نسخ السّنّة بالكتاب فالجمهور على جوازه ووقوعه ... وذهب قوم إلى امتناعه ، ونقل عن الشّافعي ـ رضي الله عنه ـ وقد استنكر جماعة من العلماء ذلك من الشّافعي حتّى قال الكيا الهراسي : هفوات الكبار على أقدارهم ، ومن عن خطؤه عظم قدره ، وقد كان عبد الجبّار بن أحمد كثيرا ما ينصر مذهب الشّافعي في الأصول والفروع فلمّا وصل إلى هذا الموضع قال : هذا الرّجل كبير لكن الحقّ أكبر منه ، قال : والمغالون في حبّ الشّافعي لمّا رأوا هذا القول لا يليق بعلوّ قدره ، كيف وهو الّذي مهّد هذا الفنّ ورتّبه وأوّل من أخرجه ، قالوا : لا بدّ وأن يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل فتعمّقوا في محامل ذكروها ، وأورد الكيان بعضها.
واعلم أنّهم صعّبوا أمرا سهلا وبالغوا في غير عظيم ، وهذا إن صحّ عن الشّافعي فهو غير منكر وإن جبن جماعة من الأصحاب عن نصرة هذا المذهب فذلك لا يوجب ضعفه!!
(٢) القول بجواز نسخ السّنّة بالقرآن عقلا ووقوعه شرعا هو مذهب جمهور الأشاعرة ، والمعتزلة ، والأحناف ، والحنابلة ، معظم الفقهاء كأبي إسحاق الشّيرازي ، والآمدي ، وابن الحاجب ، والرازي ، والبيضاوي ، وابن السّبكي ، والغزالي والسرخسي والشوكاني وغيرهم.
انظر : «التبصرة : ٢٧٢ ، اللّمع : ٦٠ ، شرح اللّمع ١ : ٤٩٩ ، المستصفى ١ : ١٢٤ ، المنخول : ٢٩٥ ، الأحكام للآمدي ٣ : ١٣٥ ، الذريعة ١ : ٤٧٠ ، أصول السرخسي ٢ : ٦٧ ، الإبهاج ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، ميزان الأصول ٢ : ١٠٠٦ ، المعتمد ١ : ٣٩١ ، روضة الناظر : ٧٨ ، شرح المنهاج ١ : ٤٧٧ ، الأحكام لابن حزم ٤ : ٥٠٨ ـ ٥٠٥ ، إرشاد الفحول : ٢٨٦».