يثبت (١).
فهذا وجه ، إلّا أنّه ليس بكلام في هذه المسألة لأنّ صاحبها مقرّ بجواز ذلك ، وإنّما أنكروا وجوده ، فالواجب أن يبيّن له الوجود.
ومن يذهب إلى ذلك فله أشياء يذكرها ، فيتعلّق بها ، ربّما ذكرناها إن عرض ما يحتاج إليه ، ولا يجوز له إذا بيّن ذلك أن يتأوّله ، لأنّه ليس بمستند إلى دليل يصحّ له التّأويل.
وأمّا من قال : إنّي لا أقول أنّ نسخ القرآن بالسّنّة جائز في العقل أو لا يجوز ، لأنّ الجواز شكّ ، وقد علمت بالشّرع المنع منه ، فذهاب عن معنى هذه اللّفظة ، لأنّ المراد بها أنّ نسخ القرآن بالسّنّة من القبيل الّذي شكّ في حاله هل يتعبّد الله تعالى به أم لا؟ وأنّه من حيّز ما لا يجوز ذلك فيه؟
وهذا لا يصحّ الامتناع منه كما لا يصحّ الامتناع من أن يقول : كان يجوز أن يتعبّد الله تعالى بصلاة سادسة أو لا وإن علمنا بالسّمع أنّه لم يتعبّد بها! وهذه جملة كافية في هذا الباب.
وأمّا نسخ السّنّة بالكتاب : فالظّاهر من مذهب الشّافعي (٢) المنع منه ، وهو الّذي صرّح به في رسالتيه جميعا ، وفي أصحابه من يضيف إليه جواز ذلك (٣).
والأوّل أظهر من قوله ، لكنّه لمّا رأى هذه المسألة تضعف على النّظر جعل
__________________
(١) نسب هذا القول لأبي العبّاس بن سريج ، فقد رجّح القول بجواز نسخ الكتاب بالسّنّة المتواترة عقلا ، ولكنّه يخالف في الوقوع فيرى أنّه لم يقع ، فالخلاف منه في الوقوع لا في الجواز [انظر المصادر الواردة في هامش رقم (١) صفحة ٥٤٣].
(٢) قال الشّافعي في (رسالته : ص ١٠٨ فقره ٣٢٤) : «وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلّا سنة لرسول الله. ولو أحدث الله لرسوله في أمر سنّ فيه غير ما سنّ رسول الله لسنّ فيما أحدث الله إليه ، حتّى يبيّن للنّاس أنّ له سنّة ناسخة للّتي قبلها ممّا يخالفها». وقد ذهب إلى المنع كلّ من أبي الطيّب الصعلوكي ، وأبي إسحاق الأسفراييني ، وأبي منصور البغدادي.
(٣) التبصرة : ٢٧٢ ، اللّمع : ٦٠ ـ ٥٩ ، شرح اللّمع ١ : ٤٩٩.