منه ، فلو جوّزوا نسخ الأصول به ، لجوّزوا نسخ الأصول بقياس لم يوجد على الشّرط الّذي يصحّ عليه (١).
فأمّا الاجتهاديات (٢) على مذهب الفقهاء : فلا يصحّ النّسخ فيها ، لأنّه يجوز أن يرجع من اجتهاد إلى اجتهاد ، ويجوز أن لا يرجع.
وليس يجوز أن يقال : إنّ أحد القولين ينسخ الآخر ، ولذلك قال معاذ : «أجتهد رأيي إذا لم أجد في الكتاب ولا في السّنّة» (٣) ، وكذلك غيره من الصّحابة كانوا يتركون اجتهادهم للنّصوص.
وأمّا فحوى القول : فلا يمتنع نسخه لأنّ اللّفظ يدلّ عليه كما يدلّ على ما يتناوله صريحه.
فإن قيل : هل يجوز أن ينسخ ما يقتضيه فحوى الخطاب مع ثبوت صريحه؟ ، كأن ينسخ ضرب الوالدين ويبقى تحريم قوله لهما أف.
قيل له : لا يمتنع ، ويفارق القياس لأنّ نسخه مع ثبات أصله لا يصحّ ، لأنّ بصحّة الأصل يصحّ الفرع ، فما دام ثابتا فيجب صحّته.
وكذلك لا يجوز بقاء القياس مع نسخ أصله لما ذكرنا من العلّة (١).
ومن النّاس من منع من ذلك وقال : لا يجوز أن يثبت صريحه ويرتفع فحواه ، لأنّ ذلك مناقضة ويستحيل في العرف ، لأنّه لا يجوز أن يقال : «فلان لا يظلم مثقال ذرّة» وهو يظلم القناطير ، أو «فلان لا يأكل رغيفا» ، ثمّ يقول : «هو يأكل مائة رطل» ، فإذا
__________________
(١) راجع هامش رقم (١) صفحة ٥٤٠.
(٢) في الأصل : الاجتهاد ، ولمعرفة مفهوم اصطلاح «الاجتهاد» عند مدرسة الإماميّة وأهل السّنّة راجع التعليقة رقم (١) ص ٨.
(٣) عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سأله إذ بعثه إلى اليمن : بما ذا تقضي؟ قال : أقضي بما في كتاب الله. قال : فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال : فبسنّة رسول الله. قال : فإن لم تجد في سنّة رسول الله؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو» سنن الدارمي ١ : ٧٠ ، عون المعبود ٣ : ٣٣٠.