وليس المراد
بذلك النّسخ لأنّ ظاهره لا يقتضي ذلك.
وقد
قيل : أنّه يمحو
ما يشاء ممّا يثبته الملك الموكّل بالعبد في الصّحيفة من المباحات ، ويثبت ما يشاء
ممّا يستحقّ عليه ثواب أو عقاب.
وقد قيل في
تأويله غير ذلك ممّا قد بيّن في التّفاسير .
والجواب
عمّا تعلّقوا به ثانيا من أمر الله تعالى إبراهيم عليهالسلام بذبح ابنه :
أنّه إنّما
أمره بمقدّمات الذّبح من الإضجاع ، وأخذ الحديد ، وشدّ اليد والرّجل وغير ذلك ،
وقد يسمّى مقدّمة الشّيء باسمه كما يسمّى المريض المدنف بأنّه ميّت ، فجاز أن يقول
: (إِنِّي أَرى فِي
الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ومراده ما قلناه.
ويدلّ على صحّة
ذلك : ما قدّمناه من دليل العقل في أنّه لا يجوز أن يأمر بالشّيء ثمّ ينسخه قبل
وقت الفعل .
ويدلّ عليه
أيضا : قوله (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فلو كان المراد به الذّبح على الحقيقة لكان لا يكون
مصدّقا ، ولمّا ذبح ، فدلّ على أنّ المأمور به ما قدّمناه.
وليس لأحد أن
يقول : إذا كان الذّبح غير مأمور به ، فكيف نقول للذّبيح : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) وهذا كلام جزع؟ ، وكيف قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) ومقدّمة الذّبح ليس فيها كلّ ذلك؟ ، وكيف فدي بذبح عظيم
وليس المأمور به الذّبح؟
وذلك أنّ
إبراهيم عليهالسلام لمّا امر بمقدّمات الذّبح ، وكان في العادة أنّ مثل ذلك
يراد بالذّبح ، ظنّ أنّه سيؤمر بالذّبح ، فلذلك قال ما قال ، فأمّا الفداء فلا
يمتنع أن يكون ذبحا ويكون فداء عن الّذي ظنّ أنّه يؤمر به من الذّبح أو عن مقدّمة
الذّبح ، لأنّ الفداء لا يجب أن يكون من جنس ما فدى به ، ألا ترى أنّ الهدي يفدّى
به حلق الرّأس
__________________