الشافعي (١) في تعلقه بقوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا)(٢) بأن يقال : لما دل الدليل على أن الحكم المذكور في الآية يتعلق بالجماع ، وجب حمل الآية على أن المراد به دون غيره من وجهين :
أحدهما : إنا قد بينا أن اللفظ إذا تناول شيئين ، فليس في ثبوت كون أحدهما مرادا ما ينافي أن يكون الآخر أيضا مرادا.
والّذي يقتضيه عندنا الوقف إن لم يكن الوقت وقت الحاجة ، وإن كان الوقت وقت الحاجة وجب حمله عليهما جميعا.
والوجه الثاني : أن تسمية الجماع باللمس إنما هو على طريق المجاز دون الحقيقة ، وقد بينا أن اللفظ يجب حمله على الحقيقة ، إلا أن يدل دليل على أنه أراد المجاز. ولو دل أيضا الدليل على أنه أراد المجاز ، لم يكن ذلك مانعا من أن يريد به ما تقتضيه حقيقته ، إلا أن يدل دليل على أنه لم يرد حقيقته ، على ما قدمنا القول فيه.
وكذلك القول في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٣) أن ثبوت الوطء مراد بالآية لا يمنع من إرادة العقد بها أيضا على ما قدمناه ، فينبغي أن يجري الباب على ما حررناه ، فإن أعيان المسائل لا تنحصر ، وأصولها ما حررناه.
ونعود الآن إلى الترتيب الّذي وعدنا به في أبواب أصول الفقه على ما قررناه إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) * هو محمد بن إدريس القرشي ، ولد عام ١٥٠ ه بغزة. تلقى العلم في حلقات مكة والمدينة واليمن والعراق على تسعة عشر شيخا ، وله رحلات علمية عديدة ، بلغ مرتبة عالية في الفقه والحديث السني وصار له مقام مرموق وتتلمذ عليه جماعة. يقال إنه كان يؤيد العلويين ويساندهم في نضالهم ضد العباسيين فاعتقل في اليمن بأمر الرشيد وسيق مكبلا إلى بغداد. له أشعار عديدة في مدح أهل البيت عليهمالسلام. تنقسم حياة الشافعي إلى مرحلتين. فترة مكوثة في العراق ، وفترة إقامته بمصر ، وحينما غادر العراق متوجها إلى مصر تبدلت آراؤه الفقهية فقسم أتباعه فتاواه إلى القديم ويقصدون به فتاواه في العراق ، وإلى الجديد ويقصدون به فتاواه في مصر. له مؤلفات أهمها كتاب (الرسالة) وكتاب (الأم) ، توفي الشافعي بمصر عام ٢٠٤ ه. يعد الشافعي من أئمة المذاهب السنية الأربعة ، وينتشر أتباعه في بعض الأقطار الإسلامية.
(٢) النساء : ٤٣.
(٣) النساء : ٢٢.