يتعداه ، ففارق حاله حال ما قلناه.
وإن كان مما يلزمه بيان أشياء أخرى في المستقبل ولا يكون في معلوم الله تعالى من يقوم مقامه ، فإن الله تعالى يمنع منه ولا يمكن من قبله ، فسقط الاعتراض.
وإنما قلناه : إنه لا يجوز أن يؤدي على وجه لا يمكن معرفة مراده ، لأنه متى أدى على هذا الوجه لم يمكنا أن نعلم ما هو مصلحة لنا ، وذلك يخل بشرائط حسن التكليف](١).
وليس يمكن أن يقال : أنه وإن لم نعلم مراده في الحال ، فإنه يمكن أن نعلم مراده في المستقبل ضرورة بأن نضطر إلى قصده ، لأن ذلك لا يخلو إما أن يكون وقت الحاجة إلى ما تضمنه الخطاب أو لا يكون كذلك ، فإن كان وقت الحاجة فإنه يؤدي إلى ما قلناه. وإن لم يكن وقت الحاجة فلا يجوز أيضا ، لأن فيه التنفير عن قبول قوله ، لأنه متى جوز عليه التعمية والإلغاز في كلامه ـ وإن أمكن معرفة المراد في الحالة الأخرى ـ نفر ذلك عن قبول قوله حالة أخرى ، ولا يقبح هذا الوجه للأول بل لما قلناه (٢).
فأما ما لا تعلق له بالشريعة فيجوز أن يعمى فيه من مصالحه الدنياوية ، وعلى هذا يتأول قوله عليهالسلام لما سأله الأعرابي في مسيره إلى بدر : مم أنتم؟ قال مما تورى في نفسه ولم يصرح (٣) (٤)* ، وذلك لا يجوز في الشرعيات ، وليس هذا من جواز
__________________
(١) زيادة من الأصل.
(٢) في الأصل : ولا يقبح هذا الوجه الأول لما قلناه.
(٣) قال ابن هشام في سيرته (٢ ـ ٢٦٧) : «... ثم ارتحل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها : الأصافر ، ثم انحط منها إلى بلد يقال له : الدبة ، وترك الحنان بيمين ، وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ، ثم نزل قريبا من بدر ، فركب هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب ، فسأله عن قريش ، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم : فقال الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا أخبرتنا أخبرناك. قال : أذاك بذاك؟ قال : نعم ، قال الشيخ : فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الّذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الّذي به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الّذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الّذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره ، قال : ممن أنتما : فقال رسول الله