وقد يستعمل اللفظ في الشيء لأنه مجاور لغيره ، أو هو منه بسبب.
وهذه الجملة كافية في هذا الباب فإنها تنبه على ما عداها ، وقد انتقلت أسماء كثيرة مما كانت عليه في هذا الباب فإنها تنبه على ما عداها ، وقد انتقلت أسماء كثيرة مما كانت عليه في اللغة إلى العرف تارة ، وإلى الشرع (١) أخرى ، فما انتقل منه إلى العرف نحو قولنا : «دابة» و «غائط» فإن هذا وإن كان اسما في اللغة لكل ما يدب وللمكان المطمئن من الأرض منه ، صار في العرف عبارة عن حيوان مخصوص وحدث مخصوص ، ونظائر ذلك كثيرة لا فائدة في ذكر جميعها وإنما أردنا المثال.
وأما ما انتقل منه إلى الشرع فنحو قولنا : «الصلاة» فإنها في اللغة موضوعة للدعاء ، وقد صارت في الشريعة عبارة عن أفعال مخصوصة ، وكذلك «الزكاة» في اللغة عبارة عن النموّ ، وفي الشريعة عبارة عن أخذ شيء مخصوص ، ونظائر ذلك كثيرة. وأما لفظة «الإيمان» فعند قوم أنها منتقلة ، وعند آخرين أنها على ما كانت عليه (٢) ، وليس هذا الكتاب موضوعا لأعيان الأسماء التي انتقلت والتي لم تنتقل فإن شرح ذلك يطول ، وإنما كان غرضنا أن نبين ثبوت ذلك.
والسبب في استعمال ذلك أنه حدثت أحكام في الشريعة لم تكن معروفة في اللغة ، فلا بدّ من العبارة عنها ، فلا فرق بين أن توضع لها عبارة مبتدأة لا تعرف ، وبين أن ينقل بعض الأسماء المستعملة في غير ذلك ، كما أن من يرزق ولدا يجوز له أن يضع له اسما لا يعرف ، ويجوز أن ينقل بعض الأسماء المستعملة إليه ، إلا أن (٣) الأمر وإن كان على ما قلناه ، فمتى نقل الاسم من مقتضى اللغة إلى شيء لا يعرف فيها لا يكون المتكلم به متكلما باللغة ، بل يكون متكلما بالشرع ، وإن سمي متكلما باللغة يكون مجازا من حيث أنه استعمل ما كانوا استعملوه ، وإن كان قد استعملوه في غير ذلك.
ومتى لم نقل ذلك لزم أن يكون من تكلم باللغة المعروفة ووافق بعض أسمائها أسماء
__________________
(١) في الأصل : الشريعة.
(٢) لسان العرب ١ : ٢٢٣ ، مادة (أمن).
(٣) في الأصل : لأن.