أن تكون حقيقة ولا مجاز لها.
ومن حق الحقيقة أن يعلم المراد بها بظاهرها ، ومن حق المجاز أن يعلم المراد به بدليل غير الظاهر ، والله تعالى قد خاطب بالمجاز كما خاطب بالحقيقة ، وكذلك الرسول عليه وآله السلام ، ومن دفع ذلك لا يلتفت إلى قوله ، وليس ذلك بمؤد إلى الحاجة لأن الله تعالى استعمل ذلك على عادة العرب في خطابها في استعمال الحقيقة والمجاز ، كما استعمل الإطالة تارة والإيجاز أخرى ، كما استعملت هي ، فإذا جاز أحدهما جاز الآخر.
فأما لفظ الاستعارة فالأولى أن لا يطلق على كلام الله تعالى من حيث (١) يوهم أن فاعلها استعارها لحاجة ، وإن أريد بذلك ما ذكره بعضهم من أن المخاطب بتلك اللغة يقتضي حسن استعمالها في المجاز كحسن ذلك في الحقيقة ، فعلى هذا لا يمتنع إطلاق هذه اللفظة على كلام الله تعالى. فإذا (٢) ثبت أن الله تعالى خاطب بالحقيقة والمجاز معا فلا بدّ من أن يدل على الفصل بينهما ، وإلا أدى إلى تكليف ما لا يطاق ، كما لا بد من أن يدل على الفصل بين الألفاظ المختلفة لتعرف معانيها.
والفصل بين الحقيقة والمجاز يقع من وجوه :
منها : أن يوجد نصّ من أهل اللغة ، أو دلالة على أنه مجاز.
ومنها : أن يعلم بأنهم وضعوا تلك اللفظة لشيء ثم استعملوها في غيره (٣) على وجه التشبيه.
ومنها : أن يعلم أنها تطرد (٤)* في موضع ولا تطرد في آخر ، ولا مانع فيعلم أنها مجاز في الموضع الّذي لا تطرد فيه. وإنما شرطنا المانع لأن الحقيقة قد لا تطرد لمانع
__________________
(١) من حيث إنه.
(٢) وإذا.
(٣) غيرها.
(٤) * لما كان الاطراد بلا مانع لازما للحقيقة كما مر في هذا الفصل ، وعدم اللازم يدل على عدم الملزوم ، كان عدم الاطراد بلا مانع علامة للمجازية.