يقال إنّه يخصّ به ، وجوّز تخصيصه بالكتاب وإن تقدّمه.
وهذا غير صحيح ، لأنّ الغرض بقولنا : إنّه مخصوص بالكتاب ، هو أنّه قد دلّ على أنّ المراد به الخصوص ، ولدليل العقل هذا الحظ ، فكيف لا يقال إنّه مخصوص به؟
فإن قالوا : لو جاز تخصيص العموم بدليل العقل جاز نسخه بدليل العقل ، فلمّا اتّفقنا على أنّ النّسخ لا يجوز أن يقع به كان العموم مثله.
قيل لهم : معنى النّسخ (١) يصحّ عندنا بأدلّة العقل لكنّه لا يسمّى نسخا ، يدلّ على ذلك أنّ الله تعالى إذا أمر المكلّف بفعل ثمّ عجز عنه المكلّف ، علمنا أنّه قد سقط عنه فرضه ، كما أنّه لو نهاه عنه في أنّه يسقط فرضه عنه ، فمعنى النّسخ حاصل لكنّه منع من إطلاق هذه التسمية ، لأنّ حدّ النسخ ليس بحاصل فيه على ما سنبيّنه فيما بعد ويسمّى تخصيصا ، لأنّ فائدة التّخصيص حاصلة ولا مانع يمنع من إطلاقه.
أمّا تخصيص الكتاب بالكتاب ، فيدلّ على صحّته ما دلّ على صحّة تخصيصه بأدلّة العقل سواء.
فأمّا أمثلته فأكثر من أن تحصى نحو قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٢) ، وقوله :
(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ)(٣) ، ثمّ قال في موضع آخر : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٤) فخصّ بذلك (٥)* من عدا أهل الكتاب.
ونحو قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ)(٦) فخصّ من ذلك (٧)*
__________________
(١) * أي الجزء العمدة المعتبر فيه وهو رفع الحكم وليس المراد تمام معناه ، والحاصل : أنّه إن أريد بقوله جاز نسخه تحقّق تمام حقيقة النّسخ فالشّرطية ممنوعة ، وإلّا فكذب التالي ممنوع.
(٢) التوبة : ٥.
(٣) محمّد : ٤.
(٤) التّوبة : ٢٩.
(٥) * أي خصّ بالآية الأخيرة المذكورة في الآيتين الأوليين من عدا أهل الكتاب.
(٦) البقرة : ٢٢١.
(٧) * أي أخرج الآية الثّانية بعض المشركات من حكم الآية الأولى وهنّ الكتابيات ، فإنّ الكتابي مشرك.