و «وتد» ليس من أحد ، ولا «اليعافير» من جملة الأنيس ، وغير ذلك.
غير أنّه وإن كان مستعملا فإنّه مجاز. وذهب قوم إلى أنّه حقيقة (١).
والّذي يدلّ على ما قلنا : إنّا قد بيّنا أنّ من حقّ الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، ونحن نعلم أنّ القائل لو قال : «ما في الدّار أحد» ولم يستثن لم يفهم من ذلك إلّا نفي العقلاء ولا يفهم منه نفي الأوتاد ، فإذا قال : «إلّا وتد» فينبغي ألا يكون استثناء حقيقة وتكون مجازا ، لأنّه لم يدخل في الكلام الأوّل (٢) ، وكذلك لو قال : «وبلدة ليس بها أنيس» وسكت ، لم يفهم من ذلك إلّا أنّه ليس بها إنسان ، ولم يفهم من ذلك أنّه ليس بها بهائم. فكذلك إذا قال : «إلّا اليعافير وإلّا العيس» يجب أن يكون مجازا ، وإنّما حسن عندهم هذا النّوع من الاستثناء لأنّ فيه معنى من الكلام الأوّل ، لأنّه إذا قال : «ما في الدّار أحد» أفاد أنّه ليس فيها أحد ثابت ، فلمّا كان الوتد ثابتا في الدّار حسن أن يستثنى من الثبوت لا من لفظ أحد.
__________________
ورد ذكره في بابين من أبواب كتاب سيبويه (باب الإضمار وباب الاستثناء) وكذلك استشهد بها الفرّاء والزمخشري في تفسيريهما. والبيتان من رجز لجران العود عامر بن الحارث وأوّله.
قد ندع المنزل يا لميس |
|
يعتس فيه السّبع الجروس |
الذئب أو ذو لبد هموس |
|
وبلدة ليس بها أنيس |
إلّا اليعافير وإلّا العيس |
|
وبقر ملمّع كتوس |
كأنّما هنّ الجواري الميس |
و (البلدة) : القطعة من الأرض ، أو مطلق الأرض. و (الأنيس) : من يؤنس به من النّاس ، و (اليعافير) : جمع يعفور وهو ولد الظبية ، وولد البقر الوحشية أيضا ، أو تيس الظباء. و (العيس) : إبل بيضاء يخالط بياضها شقرة.
وجران العود لقب شاعر من بني ضمّة بن نمير بن عامر بن صعصعة ، واسمه عامر بن الحارث بن كلفة [أو كلدة]. خزانة الأدب : ١٠ : ٢٠ ـ ١٥.
(١) ميزان الأصول ١ : ٤٥٨.
(٢) * يعني علاقة المجاز هنا المشابهة لدخول المستثنى في معنى من معاني الكلام الأوّل عام أي جزء من أجزاء الجملة الواقعة قبل الاستثناء ولو جزءا مقدّرا فكأنّه لم يلاحظ خصوصيّة المذكور وجعل كالعدم وجعل هذا الجزء العام مستثنى منه ، هذا في مثال النفي كما في «ليس في الدار أحد إلّا وتد» ظاهر.