يضعوا هذه اللّفظة في الأصل لكلّ ما يدبّ.
فعلم بذلك أنّ قلّة الاستعمال لا يدلّ على أنّ اللّفظ ليس بحقيقة.
وعندنا أنّ الحكيم تعالى إذا استعمل هذه اللّفظة فيما دون الاستغراق فلا بدّ من أن يدلّ عليه ، وإلّا لم يحسن منه ذلك.
واستدلّوا أيضا بحسن الاستفهام عن هذه الألفاظ ، قالوا : فلو لا أنّها مشتركة وإلّا لم يحسن (١).
وقد قلنا ما عندنا في ذلك فيما مضى فأغنى عن الإعادة.
واستدلّوا أيضا بأن قالوا : لو كان ذلك مفيدا للاستغراق لما حسن أن يؤكّد ، لأنّ المؤكّد قد أنبأ عن المراد ، فتأكيده عبث.
والجواب عن ذلك : إنّا قد بيّنا أنّ التأكيد دليل لمن قال بالاستغراق ، ولو لزم هذا الاعتبار أن لا يكون اللّفظ موضوعا للاستغراق ، لوجب في ألفاظ الخصوص وألفاظ الأعداد مثله ، لأنّا وجدناهم يؤكّدون ألفاظ الخصوص وألفاظ الأعداد كما يؤكّدون ألفاظ العموم ، فأيّ شيء أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.
واستدلّوا أيضا بأن قالوا : لو كانت هذه الألفاظ تفيد الاستغراق لما حسن الاستثناء منها وكانت تكون نقضا ، لأنّ هذه اللّفظة تجري عندكم مجرى تعداد الأسماء ، فكما لا يجوز أن تعدّ الأسماء ثمّ يستثنى منها ، فكذلك لفظ العموم لو كان جاريا مجرى ذلك لما حسن الاستثناء منه.
والجواب عن ذلك أن يقال : الاستثناء إنّما يحسن إذا قصد المتكلّم بالخطاب بعض العموم ، فيحتاج أن يبيّن من لم يعنه بالخطاب ، وإنّما كان يكون نقضا لو قصد به الاستغراق ثمّ استثنى منها ، ونحن لا نقول ذلك.
وليس كذلك تعداد الأسماء لأنّه إذا عدّدها فقد قصدها كلّها ، فلا يجوز بعد ذلك أن يستثني منها ، لأنّه يؤدّي إلى نفي ما أثبته بعينه ، وذلك لا يجوز على حال.
__________________
(١) انظر : «المعتمد ١ : ٢١٦».